قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
(162)
و"صلاتى" مقصود بها العبادة والركن الثانى فى الإسلام الذى يتكرر كل يوم خمس مرات وهى الركن الذى لا يسقط أبداً ، لأن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله – كما قلنا سابقاً - يكفى أن تقولها مرة فى العمر ، وقد يسقط عنك الصوم إن كنت لا تستطيع وقد لا تزكى لأنه ليس لك مال ، وقد لا تستطيع الحج ، وتبفى الصلاة التى لا تسقط أبداً عن العبد وهى – كما نعلم- قد أخذت التكليف حظها من الركنية .
إن كل تكليف من التكاليف جاء بواسطة الوحى إلا الصلاة فإنها جاءت بالمباشرة ، تلقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم من ربه دون واسطة . وحين يقول الحق : "إن صلاتى" فهو يذكر لنا عمدة الأركان والتى اشتملت على كل الأركان كما أوضحنا سابقاً . حتى إن الإنسان إذا كان راقداً فى مرض ولا يستطيع القيام فعليه أن يحرك رأسه بالصلاة أو يخطر أعمال الصلاة على قلبه . ويقول الحق : {ونسكى} . و"النسك" يطلق ويراد به كل عباده ، والحق يقول :
{لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ}
(من الآية 67 سورة الحج)"النسك" إذن هو عبادة ويطلق بالأخص على أفعال كثيرة فى الحج ، مثل نسك الطواف ونسك السعى ، ونسك الوقوف بعرفة ، ونسك الرمى ، ونسك الجمار ، وكل هذه اسمها مناسك ، والأصل فيها أنها مأخوذة من مادة "النسيكة" وهى السبيكة من الفضة التى تصهر صهراً يُخرج منها كل المعادن المختلطة بها حتى تصير غاية فى النقاء . فسميت العبادة نسكاً لهذا ، أى يجب أن تصفى العبادة لله كما تصفى سبيكة الفضة من كل المعادن التى تخالطها : { قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى } .
وهنا أمران اختياريان وأمران لا اختيار للإنسان فيهما الصلاة والمناسك كلاهما داخل فى قانون الاختيار ، لكن المحيا والممات لا يدخل أى منهما فى قانون الاختيار ، إنهما فى يد الله والصلاة والنسك إيضاً لله ولكن باختيارك وأنت لا تصلى إلا لأنك آمنت بالآمر بالصلاة ، أو أن الجوارح ما فعلت كذا إلا لله . إذن فأنت لم تفعل شيئاً من عندك أنت ، بل وجهت الطاقات المخلوقة لله لتأدية المنهج الذى أنزله الله . إذن إن أردت نسبة كل فعل فانسبه إلى الله .
ولماذا جاء بالصلاة والنسك وكلاهما أمر اختيارى؟ لأنه إن كان فى ظاهر الأمر لكم اختيار ، فكل هذا الاختيار نابع من إيجاد الله لكم مختارين . وهو الذى وضع المنهج فجعلكم تصلون أو إن صلاتى لله ونسكى لله أى أن تخلص فيها ولا تشرك فيها ولا تصلى مرائياً ولا تصنع نسكاً مرائياً ، ولا تذهب إلى الحج من أجل أن يقولوا لك : "الحاج فلان" أبداً بل اجعلها كلها لله لأنك إن جعلتها لغيره فليس لغيره من القدرة على الجزاء ما يجازيك الله به ، إن جعلتها لغيره فقد اخترت الخيبة فى الصفقة لذلك اجعل الصلاة والنسك للذى يعطيك الأجر .
{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
(162)} (سورة الأنعام)والحياة هبة الله ، وإياك أن تصرف قدرة الحياة ومظاهر الحياة فى غير مايرضى الله . فينبغى أن يكون حياتك لله لا لشهوتك ومماتك لله لا لورثتك