وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ
وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)
وهؤلاء الذين كذبوا الرسل, وردوا منهج الله الذى أرسله على ألسنه رسله. كانت لهم عهود كثيرة. فما وفوا بعهد منها, مثال ذلك: العهد الجامع لكل الخلق, وهو العهد الذى أخذه الله على ذرية آدم من صلبه حين مسح الله على ظهر آدم ,وأخرج ذريته وقال :
( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى)
من الايه172 سورة الاعراف
وقد يقف العقل فى أخذ مثل هذا العهد على الذرية الموجودة فى آدم, لذلك نقول : إذا قال الله فقد صدق عَقِلنا أو لم نعقله , إنك لو نظرت إلى((آحاد البشر)), أى إلى الأفراد الموجودين, تجد نفسك وغيرك يجد نفسه نسلاً لآبائكم, وهذا يدل على أن الإنسان وجد من حيوان منوى حى أنتقل إلى بويضة حية من أُمه فنشأ هذا الإنسان
ولو طرأ على الحيوان المنوى موت, أو طرأ على البويضه موت أمتنع الإنسال.
إذا فكل أنسان منا جزء من حياة أبيه , وأبوة جزء من حياة والده, ووالده جزء من حياة أبيه, وإن سلسلت ذلك فسنصل لآدم, فكل واحد من ذريه آدم إلى أن تقوم الساعه فيه جزء حى من آدم. وما دام فيه جزئ حى من آدم فقد شهد الخلق الأول, ولذلك حين يسألهم الله سؤال التقرير ويقول ( الست بربكم)؟ فيقولون (بلى).
وضربنا المثل لنقرب وقلنا إن الذرة الشائعه فى شئ, تشيع فى أضعاف الشئ, وسبق أن قلنا : إننا إذا جئنا بماده ملونه حمراء – مثلا – فى حجم سنتيمتر مكعب, ثم أذبناها فى قارورة, وبذلك يصبح كل جزء فى القارورة فيه جزء من الماده الملونه, وإن أخذت القارورة وألقيتها فى برميل واسع, هنا تصير كل قطرة من البرميل فيها جزئ من المادة الحمراء, وإن أخذت ماء البرميل وألقيته فى البحر فكر ذرة فى البحر الواسع يصير فيها جزئ من الماده الملونه, وهكذا يقرب من ذهن كل منا أن فى كل إنسان جزيئاً من آدم, وقد شهد هذا الجزئ العهد الأول.ولقائل أن يسأل: كيف يخاطب الله الذر الذى كان موجوداً فى ظهر آدم ؟ نقول: كما خاطب الأرض وخاطب السماء, فهو القائل:
(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)
سورة فصلت
إذن فعدم إدراكنا لكيفيه الخطاب بين رب ومربوب , لا يقدح فى أن هذه المسأله لها أصل ولها وجود. وهذا بالنسبة للعهد الأول , وبعده العهد الثانى الذى أخذه الله على رسله, مصداقاً لقوله الحق:
(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81))
(سورة آل عمران)
ثم هناك عهود خاصه أنشأتها الأحداث الخاصه, مثلما يقول الحق سبحانه وتعالى:
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)
(سورة يونس)
إنهم لا يسلمون أنفسهم للعطب ,ولا يغترون بجاههم وبالأسباب التى عندهم لأنها قد أمتنعت , ولذلك لا يغشون انفسهم بل يلجأون صاغرين إلى الله قائلين:
(لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)
من الآيه 22 سورة يونس
هكذا نرى أنهم أعطوا العهد فى حادثه, فلما أنجاهم الله أعرضوا, وفى ذلك يقول الحق سبحانه:
(وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ)
من الآيه 12 سورة يونس
إذن فالعهد إما أن يكون عهداً عاماً وإما أن يكون عهداً خاصا والحق يقول ( وإن وجدنا أكثرهم فاسقين)
أى أن حال وشأن أكثرهم طل على الفسق ونقض العهد والخروج عنه,لأن العهد إطار يحكم حركة المختار فيما أعطاه على نفسه من المواثيق , وهو حر فى أن يفعل أو لا يفعل, لكنه إذا عاهد أن يفعل أصبح ملزماً ووجب عليه أن ينفذ العهد بأختياره, لأنه إذا عاهد أن يفعل أصبح ملزماً ووجب عليه أن ينفذ العهد بأختياره, لأنه إذا قطع العهد على نفسه فعليه أن يحكم حركته فى أطار هذا العهد, فإن خرج بحركته عن إطار هذا العهد فهذا هو الفسق, والأصل فى الفسق أنه خروج الرطبة من القشرة لأن القشرة تصنع سياجاً على الثمرة بحيث لا تدخل إلى الثمرة شيئاً مفسداً من الخارج, ويقال : فسقت الرطبة أى خرجت عن قشرتها. كأن ربنا جعل التكليف تغليفاً حماية للإنسان من العطب , فإذا ما خرج عن الدين مثل خروج الرطبة عن الغطاء والقشرة صار عرضه للتلوث وللميكروبات, فسمى الله الخارج على منهجه بالفاسق, لأنه خرج عن الأطار الذى جعله الله له ليحميه من المفاسد , ومن العطب الذى يقع عليه.
وبعد ذلك يقول الحق سبحانه:
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا
بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103)