وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(53)
سورة البقرة
الحق
سبحانه وتعالى يذكر بني إسرائيل هنا .. أنه بعد أن أراهم من المعجزات الكثير.
ونجاهم من آل فرعون وشق لهم البحر ـ كان لابد أن يؤمنوا إيمانا حقيقيا لا يشوبه أي
نوع من التردد .. ذلك لأنهم رأوا وشهدوا .. وكانت شهادتهم عين يقين. أي شهدوا
بأعينهم ماذا حدث .. ولكن هل استطاعت هذه المشاهدة أن تمحو من قلوبهم النفاق
والكفر؟ .. لا .. لقد ظلوا معاندين طوال تاريخهم. لم يأخذوا أي شيء بسهولة..
.. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر أمته من أن يكونوا كبني إسرائيل
ويكونوا قوما شددوا فشدد الله عليهم .. وكان ذلك بالنسبة لقصة البقرة .. التي أمروا
أن يذبحوها ليعرفوا من القاتل في جريمة قتل كادت تثير حروبا بينهم .. فأخذوا يسألون
ما هي وما لونها إلي آخر ما سنتحدث عنه .. عندما نأتي إلي الآيات الكريمة الخاصة
بهذه الواقعة. فلو ذبحوا أي بقرة لكفتهم .. لأنه يكفي أن يقول لهم الله سبحانه
وتعالى اذبحوا بقرة فيذبحوا أي بقرة. وعدم التحديد يكون أسهل عليهم .. ولكنهم سألوا
وظلوا يسألون فشدد عليهم .. بتحديد بقرة معينة بذاتها ..
<ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذروني ما تركتكم فإنما هلك من قبلكم
بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا
نهيتكم عن شيء فدعوه"> رواه مسلم
والله سبحانه وتعالى في قوله: "وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان". كأن إتيان موسى
الكتاب والفرقان .. نعمة يجب أن يذكرها قومه .. وأن يستقبلوا منهج الله على أنه
نعمة .. فلا يأخذ الإنسان التكليف الإلهي من زاوية ما يقيد حركته ولا ما يعطيه له
.. ذلك أن الله حين حرم عليك السرقة .. حرم على الناس جميعا أن يسرقوك .. فإذا أخذ
منك حريتك أن تسرق .. فقد أخذ من الناس كل الناس حريتهم أن يسرقوا مالك .. وهذه
حماية كبيرة لك. ما هو الكتاب .. وما هو الفرقان؟ .. الكتاب هو التوراة .. هو الذي
يبين المنهج .. والفرقان هو الأشياء التي يفرق الله فيها بين الحق والباطل .. فكأن
الفرقان تطلق مرة على التوراة .. لأنها تفرق بين الحق والباطل. وتطلق أيضا على كل
ما يفرق بين الحق والباطل .. ولذلك سمي يوم بدر يوم الفرقان .. لأنه فرق بين الحق
والباطل .. فكأن منهج الله وكتابه يبين لنا أين الحق وأين الباطل ويفرق بينهما