وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ(72)
سورة البقرة
قصة القتيل
هي أن رجلا ثريا من بني إسرائيل لم يكن له ولد يرثه .. وكان له أقارب كل منهم يريد
أن يستأثر بأموال هذا الرجل .. والمال والذهب هما حياة بني إسرائيل .. فتآمر على
هذا الرجل الثري ابن أخيه فقتله ليرثه ويستولي على أمواله .. ولكنه أراد أن يبعد
التهمة عن نفسه فحمل الجثة وألقاها على باب قرية مجاورة ليتهم أهلها بقتل الثري ..
وفي الصباح قام أهل القرية ووجدوا جثة الثري أمام قريتهم .. ووجدوه غريبا عن القرية
فسألوا من هو؟ حتى وصلوا إلي ابن أخيه .. فتجمع أهل القتيل واتهموهم بقتله .. وكان
أشدهم تحمسا في الاتهام القاتل ابن أخيه..
وقوله تعالى "إدارأتم فيها" الدرأ هو الشيء حين يجئ إليك وكل واحد ينفيه عن نفسه ..
إدارأتم أي أن كلا منكم يريد أن يدفع الجريمة عن نفسه فكل واحد يقول لست أنا ..
وليس من الضروري أن يتهم أحد آخر غيره .. المهم أن يدفعها عن نفسه. ولقد حاول أهل
القريتين .. قرية القتيل، والقرية التي وجدت أمامها الجثة. أن يدفع كل منهما شبهة
الجريمة عن نفسه وربما يتهم بها الآخر .. ولم يكن هناك دليل دامغ يرجح اتهاما
محددا. بل كانت الأدلة ضائعة ولذلك استحال توجيه اتهام لشخص دون آخر أو لقرية دون
أخرى.
وكان التشريع في ذلك الوقت ينص على أنه إذا وجد قتيل على باب قرية ولم يستدل على
قاتله .. فإن قرية القتيل وأهله يأخذون خمسين رجلا من أعيان القرية التي وجدت
بجوارها الجثة .. فيلقوا اليمين بأنهم ما قتلوه .. ولا علموا قاتله .. وإذا كان
الأعيان والأكابر أقل من خمسين رجلا .. تكررت الإيمان حتى تصير خمسين يمينا ..
فيحلفون أنهم ما قتلوه ولا يعرفون قاتله .. عندما يتحمل بيت المال دية القتيل..
ولكن الله كان يريد شيئا آخر .. يريد أن يرد بهذه الجريمة على جحود بني إسرائيل
باليوم الآخر .. ويجعل الميت يقف أمامهم وينطق اسم قاتله .. ويجعلهم يرون البعث وهم
أحياء .. ولذلك قال سبحانه وتعالى: "والله مخرج ما كنتم تكتمون" .. أي أن بني
إسرائيل أو أولئك الذين ارتكبوا الجريمة دبروها على أن تبقى في طي الكتمان فلا يعلم
أحد عنها شيئا .. ولذلك جاء الشاب وقتل عمه دون أن يراه أحد .. ثم حمل الجثة خفية
في ظلام الليل وخرج بها فلم يلتفت أحد إليه .. ثم ذهب إلي قرية مجاورة وألقى بالجثة
على باب القرية وأهلها نائمون وانصرف عائدا .. كانت كل هذه الخطوات في رأيه ستجعل
الجريمة غامضة لا تنكشف أبدا ولا يعرف سرها أحد. ولكن الله تبارك وتعالى أراد غير
ذلك .. أراد أن يكشف الجريمة بطريقة لا تحتمل الجدل، وفي نفس الوقت يرد على جحود
بني إسرائيل للبعث .. بأن يريهم البعث وهم أحياء.