وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ(89)
سورة البقرة
بعد أن بين
لنا الله سبحانه وتعالى .. أن بني إسرائيل قالوا إن قلوبهم غلف لا يدخلها شعاع من
الهدى أو الإيمان .. أراد تبارك وتعالى أن يعطينا صورة أخرى لكفرهم بأنه أنزل كتابا
مصدقا لما معهم ومع ذلك كفروا به .. ولو كان هذا الكتاب مختلفا عن الذي معهم لقنا
إن المسألة فيها خلاف .. ولكنهم كانوا قبل أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وينزل عليه القرآن كانوا يؤمنون بالرسول والكتاب الذي ذكر عندهم في التوراة ..
وكانوا يقولون لأهل المدينة .. أهل زمن رسول سنؤمن به ونتبعه ونقتلكم قبل عاد وإرم.
لقد كان اليهود يعيشون في المدينة .. وكان معهم الأوس والخزرج وعندما تحدث بينهم
خصومات كانوا يهددونهم بالرسول القادم .. فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
كفروا به وبما أنزل عليه من القرآن. واليهود في كفرهم كانوا أحد أسباب نصرة رسول
الله صلى الله عليه وسلم .. لأن الأوس والخرزج عندما بعث الرسول عليه الصلاة
والسلام قالوا هذا النبي الذي يهددنا به اليهود وأسرعوا يبايعونه .. فكأن اليهود
سخرهم الله لنصرة الإسلام وهم لا يشعرون.
والرسول عليه الصلاة والسلام كان يذهب إلي الناس في الطائف .. وينتظر القبائل عند
قدومها إلي مكة في موسم الحج ليعرض عليهم الدعوة فيصدونه ويضطهدونه .. وعندما شاء
الله أن ينتشر دعوة الإسلام جاء الناس إلي مكة ومعهم الأوس والخزرج إلي رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولم يذهب هو إليهم، وأعلنوا مبايعته والإيمان برسالته ونشر
دعوته .. دون أن يطلب عليه الصلاة والسلام منهم ذلك .. ثم دعوه ليعيش بينهم في دار
الإيمان .. كل هذا تم عندما شاء الله أن ينصر الإسلام بالهجرة إلي المدينة وينصره
بمن اتبعوه.
ويقول الحق تبارك وتعالى: "وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا" .. أي أنهم قبل
أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يستفتحون بأنه قد أطل زمن رسول سنؤمن
به ونتبعه .. فلما جاء الرسول كذبوه وكفروا برسالته. وقوله تعالى: "على الذين
كفروا" .. أي كفار المدينة من الأوس والخزرج الذين لم يكونوا أسلموا بعد .. لأن
الرسول لم يأت .. الحق سبحانه وتعالى يعطينا تمام الصورة في قوله تعالى: "فلما
جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنه الله على الكافرين". وهكذا نرى أن بني إسرائيل فيهم
جحود مركب جاءهم الرسول الذي انتظروه وبشروا به .. ولكن أخذهم الكبر رغم أنهم
موقنون بمجيء الرسول الجديد وأوصافه موجودة عندهم في التوراة إلا أنهم رفضوا أن
يؤمنوا فاستحقوا بذلك لعنة الله .. واللعنة كما قلنا هي الطرد من رحمة الله.