يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ(104)
سورة البقرة
هذا نداء
للمؤمنين .. لأن الآية الكريمة تبدأ: "يا أيها الذين آمنوا" .. نعرف أن الإيمان هنا
هو سبب التكليف .. فالله لا يكلف كافرا أو غير مؤمن .. ولا يأمر بتكليف إلا لمن
آمنوا .. فمادام العبد قد آمن فقد أصبحت مسئولية حركته في الحياة عند ربه .. ولذلك
يوحي إليه بمنهج الحياة .. أما الكافر فلا يكلفه الله بشيء. إذن قوله تعالى: "يا
أيها الذين آمنوا" .. أمر لمن آمن بالله ورضى به إلها ومشرعا .. قوله: "يا أيها
الذين آمنوا" .. نداء للمؤمنين وقوله: "لا تقولوا راعنا" .. نهي .. وكأن راعنا كانت
مقولة عندهم يريد الله أن ينهاهم عنها .. والإيمان يلزمهم أن يستمعوا إلي نهي الله.
ما معنى راعنا؟ نحن نقول في لغتنا الدارجة (راعينا) .. يعني احفظنا وراقبنا وخذ
بيدنا وكلها مأخوذة من مادة الرعاية والراعي.
<ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"> رواه احمد
والبخارى ومسلم وابو داود والترمذى عن ابن عمر
وأصل المادة مأخوذة من راعي الغنم .. لأن راعي الغنم لابد أن يتجه بها إلي الأماكن
التي فيها العشب والماء .. أي إلي أماكن الرعي .. وأن يكون حارسا عليها حتى لا تشرد
واحد أو تضل فتفتك بها ذئاب الصحاري .. وأن يوفر لها الراحة حتى لا تتعب وتنفق في
الطريق ..
<ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كنت أرعى الغنم على قراريط لأهل مكة">رواه
البخارى
ولكن لماذا استبدل الحق سبحانه وتعالى كلمة راعنا بكلمة انظرنا؟ إن عند اليهود في
العبرانية والسريانية كلمة راعنا ومعناها الرعونة .. ولذلك كانوا إذا سمعوا من
صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة راعنا .. اتخذوها وسيلة للسباب بالنسبة
لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. والمسلمون لا يدرون شيئا .. لذلك أمر الله سبحانه
وتعالى المؤمنين أن يتركوا هذه الكلمة .. حتى لا يجد اليهود وسيلة لستر سبابهم،
وأمرهم بأن يقولوا: انظرنا. ثم قال الحق سبحانه وتعالى: "واسمعوا" .. والله هنا
يشير إلي الفرق بين اليهود والمؤمنين .. فاليهود قالوا سمعنا وعصينا، ولكن الله
يقول للمؤمنين اسمعوا سماع طاعة وسماع تنفيذ.
سعد بن معاذ سمع واحدا من اليهود يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ـ راعنا ـ
وسعد كان من أحبار اليهود ويعرف لغتهم ـ فلما سمع ما قاله فهم مراده. فذهب إلي
اليهودي وقال له لو سمعتها منك مرة أخرى لضربت عنقك .. وقال اليهودي أو لستم
تقولونها لنبيكم؟ أهي حرام علينا وحلال لكم؟ فنزلت الآية الكريمة تقول: "لا تقولوا
راعنا وقولوا انظرنا" .. ولو تأملنا كلمة (راعنا) وكلمة (انظرنا) لوجدنا المعنى
واحدا .. ولكن (انظرنا) تؤدي المعنى وليس لها نظير في لغة اليهود التي تعني الإساءة
لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. وقوله تعالى: "وللكافرين عذاب أليم" .. أي من
يقولون راعنا إساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لهم عذاب أليم.