أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ(107)
سورة البقرة
وبعد أن بين
الله سبحانه وتعالى لنا أن هناك آيات نسخت في القرآن .. أراد أن يوضح لنا أنه
سبحانه له طلاقة القدرة في كونه يفعل ما يشاء .. ولذلك بدأ الآية الكريمة: "ألم
تعلم" .. وهذا التعبير يسمى الاستفهام الاستنكاري أو التقريري .. لأن السامع لا يجد
إلا جوابا واحدا بأنه يقر ما قاله الله تبارك وتعالى .. ويقول نعم يا رب أنت الحق
وقولك الحق.
قوله تعالى: "ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض" .. الملك يقتضي مالكا
ويقتضي مملوكا .. ويقتضي قدرة على استمرار هذا الملك وعدم زواله .. فكأن الحق
سبحانه وتعالى يريد أن يبين لنا أنه يقدر ويملك المقدرة .. والإنسان ليست له قدرة
التملك ولا المقدرة على استبقاء ما يملكه .. والإنسان لا يملك الفعل في الكون .. إن
أراد مثلا أن يبني عمارة قد لا يجد الأرض .. فإن وجد الأرض قد لا يجد العامل الذي
يبني .. فإن وجده قد لا يجد مواد البناء .. فإن وجد هذا كله قد تأتي الحكومة أو
الدولة وتمنع البناء على هذه الأرض .. أو أن تكون الأرض ملكا لإنسان آخر فتقام
القضايا ولا يتم البناء.
والحق سبحانه وتعالى يقول: "ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض" .. أي أن كل
شيء في الوجود هو ملك لله وهو يتصرف بقدرته فيما يملك .. ولذلك عندما هاجر رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلي المدينة .. كان اليهود يملكون المال ولهم معرفة ببعض
العلم الدنيوي لذلك سادوا المدينة .. وبدأوا يمكرون برسول الله صلى الله عليه وسلم
والمسلمين .. والله تبارك وتعالى طمأن رسوله بأن طلاقة القدرة في الكون هي لله وحده
.. وأنه إذا كان لهم ملك فإنه لا يدوم لأن الله ينزع الملك ممن يشاء ويعطيه لمن
يشاء .. ولذلك حينما يأتي يوم القيامة ويهلك الله الأرض ومن عليها .. يقول سبحانه:
لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ
(من الآية 16 سورة غافر)
ويرد جل جلاله بشهادة الذات للذات فيقول:
لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ
(من الآية 16 سورة غافر)
ومادام الله هو المالك وحده .. فإنه يستطيع أن ينزع من اليهود وغيرهم من الدنيا
كلها ما يملكونه .. ويحدثنا العلماء أن العسس وهم الجنود الذين يسيرون ليلا لتفقد
أحوال الناس وجدوا شخصا يسير ليلا .. فلما تقدموا منه جرى فجروا وراءه إلي أن وصل
إلي مكان خرب ليستتر فيه .. تقدم العسس وأمسكوا به وإذا بهم يجدون جثة القتيل ..
فأخذوه ليحاكموه فقال لهم أمهلوني لأصلي ركعتين لله .. فأمهلوه فصلى ثم رفع يديه
إلي السماء وقال اللهم إنك تعلم أنه لا شاهد على براءتي إلا أنت .. وأنت أمرتنا ألا
نكتم الشهادة فأسألك ذلك في نفسك .. فبينما هم كذلك إذا أقبل رجل فقال .. أنا قاتل
هذا القتيل وأنا أقر بجريمتي .. فتعجب الناس وقالوا لماذا تقر بجريمتك ولم يرك أحد
ولم يتهمك أحد .. فقال لهم والله ما أقررت إنما جاء هاتف فأجرى لساني بما قلت ..
فلما أقر القاتل بما فعل وقام ولى المقتول وهو أبوه فقال .. اللهم إني أشهدك إني قد
أعفيت قاتل ابني من دينه وقصاصه.
انظر إلي طلاقة قدرة الحق سبحانه وتعالى .. القاتل أراد أن يختفي ولكن انظر إلي دقة
السؤال من السائل أو المتهم البريء .. وقد صلى ركعتين لله .. لأن رسول الله صلى
الله عليه وسلم علمنا أنه إذا حزبنا أمر قمنا إلي الصلاة فليس أمامنا إلا هذا الباب
.. وبعد أن صلى سأل الله أنت أمرتنا ألا نكتم الشهادة ولا يشهد ببراءتي أحد إلا أنت
فأسألك ذلك في نفسك وبعد ذلك كان ما كان. وهذه القصة تدلنا على أننا في قبضة الله
.. أردنا أو لم نرد .. بأسباب أو بغير أسباب .. لماذا؟ .. لأن الله له ملك السماوات
والأرض وهو على كل شيء قدير .. وقوله تعالى: "وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير"
.. الولي هو من يواليك ويحبك .. والنصير هو الذي عنده القدرة على أن ينصرك وقد يكون
النصير غير الولي .. الحق تبارك وتعالى يقول أنا لكم ولي ونصير أي محب وأنصركم على
من يعاديكم