ثم يقول الحق سبحانه عنهم :

 

" وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)"       الفرقان

 

هذه صفة اخرى من صفات عباد الرحمن يطلبون فيها أمرين

 

 " رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ..... (74) " الفرقان والذرية لا تاتي الا بعد الزواج لدلك جاء الدعاء للازواج ثم الذرية وكلمة "  قُرَّةَ .....  (74)" الفرقان

 

 تستعمل بمعنيين وفي اللغة شئ  يسمونه عامل اشتقاق يعني : يشتق اللفظ من معتى عام وقد يختلف معناه لكن في النهاية يلتقيان على معنى واحد وكلمة ( قرة ) تاتي بمعنى اللزوم والثبات من قر في المكان يعني : لزمه وثبت فيه وتأتي بمعنى السرور والقر يعني أيضا شدة البرودة كما جاء في قول الشاعر :

أوقد فان الليل ليل قر                    والريح يا غلام ريح صر

عل أن يرى نارك من يمر             ان جلبت ضيفا فأنت حر

فالقر : البرد والقرور : السكون والعين الباردة : دليل السرور والعين الساخنة دليل الحزن ولآلم على حد قول الشاعر :

فاما قلوب العاشقين فأسخنت             وأما قلوب العازلين(1)  فقرت (1) عزل الشئ : يعزله فاعتزله : نحاه جانبا فتنحى ( لسان العرب – مادة : عزل ) اي : انهم عزلوا قلوبهم عن العشق والحب والوصال فاستراحت واستقرت قلوبهم .  

لذلك يكنون ببرودة العين عن السرور وبسخونتها عن الحزن يقولون رزقني الله ولدا قرت به عيني ويقولون : أسخن الله عين فلان يعني : أصابه بحزن تغلي منه عينه . ولأن العين جوهرة غالية في جسم الانسان فقد أحاطها الخالق – عز وجل – بعناية خاصة وحفظ لها في الجسم حرارة مناسبة تختلف عن حرارة الجسم التي تعتدل عند 37 درجة فلو أخذت العين هذه الدرجة لانفجرت .

ومن عجيب قدرة الله تعالى ان تكون حرارة العين تسع درجات وحرارة الكبد أربعين وهما في جسم واحد .

فالمعنى "  قُرَّةَ أَعْيُنٍ ...... (74)" الفرقان

يعني : اجعل لنا من أزواجنا ما نسر به كما جاء في الحديث الشريف عن صفات الزوجة الصالحة :" ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة : ان امرها أطاعته وان نظر اليها سرته وان اقسم عليها أبرته وان غاب عنها نصحته في نفسها وماله " (1)  أخرجه ابن ماجه في سنننه (1857 ) من حديث ابي امامة رضي الله عنه قال البوصيري في زوائده : في اسناده على بن يزيد قال البخاري منكر الحديث وعثمان ابن ابي العائكة مختلف فيه والحديث رواه النسائي من حديث ابي هريرة وسكت عليه وله شاهد من حديث ابن عمر " .

وهب لنا من ذرياتنا أولادا ملتزمين بمنهج الله لا يحيدون عنه ولا يكلفوننا فوق ما نطيق في قول أو فعل لأن الولد ان جاء على خلاف هذه الصورة كان مصيبة كبرى لوالديه بدليل أن الرجل قد يسرف على نفسه بأنواع المعاصي وقد يقصر في حق الله لكن يحزن ان فعل ولده مثل فعله .

فالأب قد لا يصلي لكن يحث ولده على الصلاة ويفرح له أن صلى واستقام لماذا ؟ لأنه يريد أن يرى وأن يعوض ما فاته من الخير والجمال في ابنه ولا يحب الانسان ان غيره احسن منه الا ولده لأنه امتداده وعوضه فيما فات .

وان اخدنا "  قُرَّةَ أَعْيُن ..... (74)" الفرقان على أنها بمعنى الاستقرار والثبات فالمعنى أن تكون الزوجة على خلق وأدب وجمال بحيث ترضي الزوج فلا تمتد عينه الى غيرها ويسكن عندها لأنها أستوفت كل الشروط ومن ذلك قوله تعالى :

 

" لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ (88)          الحجر

 

 وكذلك أن وجدت صفات الخير والادب والجمال في أولاد بحيث لا تمتد عينه الى أكثر من ذلك لأنه يرى في أولاده كل تطلعاته وكل ما يتمناه فلا يتطلع الى غيرهم لذلك حين يمدحون يقولون : فلان لم يعد عنده تطلعات لماذا؟ لأنه حقق كل ما يريد .

ويقولون في المدح أيضا : فلان هذا قيد النظر يعني : حين تراه تسكن عنده عينك ولا تتحول عنه لجماله وكمال صفاته .

والولد حين يكون على هذه الصورة يربح والديه في الدنيا وفي الأخرة لأنه ولد صالح لا ينقطع بره بوالديه لموتهما انما يظل بارا بهما حتى بعد الموت فيدعو لهما وفي ألآخرة يجمعهم الله جميعا في مستقر رحمته :

 

" وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ (21) "        الطور

 

 وهكذا كله في الازواج وفي الأولاد هبة ومنحة من الله .

 وتلحظ أن بعض الأزواج يعيشون مع أزواجهم على مضض وربما على كره تحملهم عليه ظروف الحياة والاولاد واستقرار الأسرة فان قلت للزوج : ان زوجتك ستكون معك في الجنة يقول : كبف حتى في الاخرة ؟ وهو لا يعلم ان الله تعالى سيطهرها من الصفات التي كرهها منها في الدنيا .

قال سبحانه :

 

" لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ (15) " (1)  آل عمران

 

 (1) قال ابن كثير في تفسيره (1/353 ) : أي مطهرة من الدنس والخبث والأذى والحيض والنفاس وغير دلك مما يعتري نساء الدنيا ونقل ابن منظور في لسان العرب ( مادة طهر ) قول ابي اسحاق في معنى هده الكلمة في الاية :" معناه أنهن لا يحتجن الى ما يحتاج اليه نساء أهل الدنيا بعد الاكل والشرب ولا يحضن ولا يحتجن الى ما يتطهر به وهن مع دلك طاهرات طهارة الاخلاق والعفة فمطهرة تجمع الطهارة كلها لان مطهرة أبلغ في الكلام من طاهرة ".

ويقول سبحانه :

" إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) "           يس

 

وقوله تعالى :" وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) " الفرقان

 نلحظ ان الدعوة هنا جماعية ومع ذلك لم يقل ائمة وذكر اماما بصيغة المفرد فلماذا ؟ قالوا : لأنه تعالى ينبهنا الى ان الامام هو الذي يسر على وفق منهج الله ولا يحيد عنه لذلك ان تعددت الائمة فهم جميعا في حكم امام واحد لأنهم يصدرون عن رب واحد وعن منهج واحد لاتحكمهم الأهواء فتفقهم كالأمراء مثلا فجمعهم في القول من كل منهم على حده ووحدهم في الامامة .