" إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) "
وقوله تعالى "" إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) "
الشعراء
فان كانت عندكم غفلة فقد رحم الله غفلتكم ونبهكم برسول أمين يعظكم ويعلمكم ويبلغكم منهج الله وهو أمين لن يغشكم في شئ حتى لا تقولوا انا كنا غافلين .
وما دمت انا مرسلا من الله إليكم وأمينا عليكم وعلى دعوتي فاسمعوا مني لذلك كرر الامر بالتقوى :
" فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108)"
وكأنه يتصالح معهم فيخفف من أسلوب النصح ويأتي بالأمر صريحا بعد ان آتي به في صورة إنكار الا يكونوا متقين وثمرة التقوى طاعة الأوامر واجتناب النواهي وهذه لا نعرفها الا من الرسول حامل المنهج ومبلغ الدعوة والأمين عليها .
وقد ترددت هده الاية على السنة كثير من رسل (1) (1) وردت هده الاية 6 مرات خمس منها في سورة الشعراء : اية 107 في حق النوح اية 125 في حق هود ( اية 143 في حق صالح ) ( اية 162 في حق لوط ) ، ( اية 178 في حق شعيب ) ، والآية السادسة في سورة الدخان اية 18 في حق موسى . قال الله تعالى :
" إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108)" الشعراء
ثم يقول الحق سبحانه :
" وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109)"
هذه العبارة " وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ..(109)" الشعراء لم نسمعها على لسان ابراهيم عليه السلام ولا على لسان موسى عليه السلام فأول من قالها نوح عليه السلام وكونك تقول لأخر : انا لا أسالك اجرا على هذا العمل فهدا يعني انك تستحق اجرا على هذا العمل وانت غير زاهد في الاجر انما ان أخذته من المنتفع بعملك فسوف يقومه لك بمقاييسه البشرية لدلك من الأفضل ان تاخد أجرك من الله .
فكأن نوحا عليه السلام يقول : انتم ايها البشر لا تستطيعون ان تقوموا ما أقوم به من أجلكم لأنني جئتكم بمنهج هداية يسعدكم في الدنيا وينجيكم في الاخرة وانتم لن تقوموا هذا العمل وأجرى فيه على الله لأنكم تعطون على قدر امكاناتكم وعلمكم .
وسبق ا حكينا لكم قصة الرجل الذي قابلناه في الجزائر وكان رجلا تبدو عليه علامات الصلاح وقد أشار لنا لنقف بسيارتنا ونحمله معنا فلما توقفنا ليركب معنا مال الى السائق وقال ( علي كم ) يعني الاجرة فقال له الرجل وكان المحافظ نوصلك لله فقال ( غلتها يا شيخ ) نعم ان كان الاجر على الله فهو غال .
وفي اية أخرى يقول تعالى
" أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) " الطور
ثم يقول
" إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109)" الشعراء
ان هنا معنى ما النافية لانه تعالى القادر على ان يكافئني على دعوتي فهو الذي أرسلني بها وهو سبحانه رب العالمين الذي تبرع بالخلق من عدم وبالإمداد من عدم وخلق لي ولكم الأرزاق وهذا كله لصالحكم لانه سبحانه لا ينتفع من هذا بشئ
والربوبية تقتضي عناية وتقتضي نفقة وخلقا وإمدادا فصاحب كل هذه الأفضال والنعم هو الذي يعطيني اجري .
" فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) "
بعد ان بين لهم كرم الربوبية في مسالة الاجر على الدعوة وأعطاهم ما يشجعهم على التقوى وعلى الطاعة لانهم سينتفعون برسالة دون اجر منهم ومعنى
"" فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) " الشعراء
أي ليست لي طاعة دانية انما أطيعوني لأني رسول من قبل الله تعالى .
ثم يقول الحق سبحانه حاكيا ردهم على نوح عليه السلام :
" قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) "
الارذلون جمع أرذل وهو الردئ من الشئ ورذال الفاكهة المعطوب منها وما نسميه ( نقاضة) والاستفهام هنا للتعجب : كيف نؤمن لك ونحن السادة والمؤمنون بك هم الارذلونو ؟ يقصدون الفقراء وأصحاب الحرف والذين لا يؤبه بهم وهؤلاء عادة هم جنود الرسالة لانهم المطحنون من المجتمع الفاسد وطبيعي ان يتلقفوا من يعدل ميزان المجتمع .
وفي اية أخرى
" مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا .. (27)" هود
وقولهم " أَنُؤْمِنُ لَكَ ..(111) " الشعراء دليل على عدم فهمهم حقيقة الايمان لانه لم يقل لهم : تمنوا بي انما امنوا بالله .
او ان المعنى " أَنُؤْمِنُ لَكَ ..(111) " الشعراء أي نصدقك فمن معاني امن أي صدق كما في قوله تعالى
" فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ ..(83) " يونس
أي : صدق به وامن تكون بمعنى صدق اذا جاءت بعدها اللام فان جاء بعدها الباء فهي بمعنى الايمان (1) قال تعالى " وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) ط الزمر وقال " فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) " الليل
" قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) (112) (2) أي : لم أكلف العلم بإعمالهم انما كلفت ان ادعوهم الى الايمان والاعتبار بالإيمان لا بالحرف والصنائع وكأنهم قالوا : انما اتبعك هؤلاء الضعفاء طمعا في العزة والمال فقال : إني لم أقف على باكن أمرهم وإنما الى ظاهرهم ( تفسير القرطبي 7/ 5000 )
"إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113)"
يعني ما دام الحساب على ربي وهم يريدون الايمان فلابد ان يأخذوا جزاءهم وافيا " لَوْ تَشْعُرُونَ (3)(113)"الشعراء (3) قال القرطبي في تفسيره (7/ 5000 " قراءة العامة " تشعرون " بالتاء على النخاطبة للكافر وهو الظاهر وثرا ابن آبي عبلة ومحمد بن السميقع " لو يشعرون " بالياء كأنه خبر عن الكفار وترك الخطاب لهم ".
" وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) "
وقد طلبوا منه ان يطرد هؤلاء المؤمنين من مجلسه ليجلسهم هم وفي اخري قال سبحانه لنبيه محمد صلي الله عليه وسلم :
" وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) " الانعام
" إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115)"
فمن يسمع إنذاري ويسمع بشارتي ويأتي مجلسي فعلى عيني أرافقه فالله ما أرسلني لأخص دوي الغنى دون الفقراء بمجلسي لنما أرسلني لأبلغكم ما أرسلت به فمن أطاعني فذلك السعيد عند الله وان كان فقيرا
" قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ(1) (116) " (1) الرجم : القتل واصله الرمي بالحجارة والرجم : اللعن والشت والسب ( لسان العرب مادة رجم ) قال الثمالي كل مرجومين في القران فهو القتل الا في سورة مريم " لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ.. (46) مريم أي لاسبنك وقيل : من المرجومين من المشتومين قاله السدي ( تفسير القرطبي 7/ 5001)
وهكذا أعلنوا الحرب على نبي الله نوح يقولون : لا فائدة من تخديرك وما زلت مصرا على دعوتك " لَمْ تَنْتَهِ .. (116) " الشعراء عما تدعيه من الرسالة وما تقول به من تقوى الله وطاعته وما تفعله من تقريب الارذلين من منك لتكون جمهورا من صغار الناس .
"لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) " الشعراء أي : اذا لم تنته فسوف نرجمك انه تهديد صريح للرسول الذي جاءهم من عند الله يدعوهم الى الخير في الدنيا والآخرة .
كما قال سبحانه
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ... (24) " الانفال
وهذا التهديد منهم لرسول الله يدل على انهم كانوا أقوياء وأصحاب جاه وبطش .
" قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118)"
تأمل هنا أذي نوح – عليه السلام – حين يشكو قومه الى الله ويرفع اليه ما حدث منهم كل ما قاله " " إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) "
الشعراء ولم يذكر شيئا عن التهديد له بالرجم وإعلان الحرب على دعوته لماذا ؟ لان ما يهمه في المقام الأول ان يصدقه قومه فهدا هو الأصل في دعوته .
وقوله " " فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا .. (118)"
الشعراء الفتح في الشئ اما حسا وأما معنويا فمثلا الباب المغلق بقفل نقول : نفتح الباب : أي نزيل إغلاقه .
فان كان الشئ مربوطا نزيل الإشكال ونفك الأربطة .
ومن ذلك قوله تعالى في قصة يوسف " وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ ..(65) " يوسف أي أزالوا الرباط عن متاعهم هذا هو الفتح الحسي اما الفتح المعنوي فنزيل الإغلاق والإشكال المعنوية ليأتي الخير وتأتي البركة كما في قوله سبحانه
" وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ..(96) " الأعراف
وفي اية أخرى
" مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ .. (2)" فاطر
والخير الذي يفتح الله به على الناس قد يكون خيرا ماديا وقد يكون علما كما في قوله تعالى
" أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ .. (76)" البقرة
أي من العلم في التوراة يخافون ان يأخذه المؤمنون ويجعلوه حجة على أهل التوراة اذا ما كان لهم الفتح والغلبة فمعنى " بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ .. (76)" أي بما علمكم من علم لم يعلموه هم .
وقد يكون الفتح بمعنى الحكم مثل قوله سبحانه :
" رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)" الأعراف
ويكون الفتح بمعنى النصر كما في قوله تعالى :
" إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) " النصر
ثم يقول نوح عليه السلام " وَنَجِّنِي ..(118)" الشعراء من كيدهم وما يهدونني به من الرجم " وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118)" الشعراء
لان الإيذاء قد يتعداه الى المؤمنين معه
وتأتي الإجابة سريعة :
" فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119)"
وقد وردت قصة السفينة في الأعراف وفي هود ولنوح عليه السلام سورة خاصة هي سورة نوح مثل سورة محمد دلك لان له في تاريخ الرسالات ألف سنة الا خمسين عاما وبستحق ان يخصه الله تعال بسورة باسمه .
لذلك عندا يكرر احد الناس لك الكلام ويعيده عليك تقول له ( هيه سورة ) فكلام العامة والمبين له اصل من استعمال اللغة .
وفي موضع اخر ذكر الحق – تبارك وتعالى – قصة صنع السفينة في قوله تعالى
" وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ .. (38) " هود
وهذا دليل على انها كانت اول سفينة يصنعها الانسان وقد صنع نوح سفينته بأمر الله ووحيه وتحت عينه تعالى وفي رعايته :
" وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ..(37) " هود
وما كان الله تعالى ليكلفه بصنع السفينة ثم يتركه انما تابعه حتى اذا ما حدث خطأ نبهه اليه من البداية كما قال تعالى لسيدنا موسى :
" وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) " طه
وبمثل هذه الايات نرد على الذين يقولون : ان الله تعالى زاول سلطانه في ملكه مرة واحدة فخلق الخلق ثم ترك القوانين تسيره ولو كان الامر كذلك لوجدنا العالم كله يسير بحركة ميكانيكية لكن ظواهر الكون وما فيه من معجزات تدل على قيومته تعالى على خلقه .
لذلك يقول لهم : ناموا ملئ جفونكم فان لكم ربا لا ينام كيف لا وانت اذا استاجرت حارسا لمنزلك ثم تنام مطمئنا اعتمادا على انه يقظ وكيف ادا حرسك ربك عز وجل الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ؟
والا يدل دلك عل قيومته تعالى ؟
هذه القيومية التي تنقض العزائم وتقسخ القوانين قيومية تقول للنار كوني بردا وسلاما فتكون وتقول للماء : تجمد حتى تكون جبلا فيتجمد تقول للحجر : انفلق فينفلق ولو كان الامر ميكانيكيا كما يقولون لما حدث هذا ولما تخلف قانون واحد من قوانين الكون .
والمشحون : الذي امتلأ ولم يبق به مكان خال فكانت السفينة مشحونة بما حمل فيها لأنها صنعت بحساب دقيق لا يتسع الا لمن كلف نوح بحملهم في سفينته وكانوا ثمانين رجلا وثمانين امرأة (1) (1) عن ابن عباس : كانوا ثمانين نفسا منهم نساؤهم وعن كعب الأحبار : كانوا اثنين وسبعين نفسا وقيل : كانوا عشرة ( قاله ابت كثير في تفسيره 2/ 455 ) ومن كل حيوان زوجين اثنين .
والفلك المشحون يطلق ويراد به الواحدة ويطلق ويراد به الجماعة كما في قوله سبحانه :
"حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ .. (22)" يونس
" ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120)
وهم الكافرون الذين لم يركبوا معه و " " بَعْدُ .. (120)الشعراء
أي : بعد ماركب من ركب وبعد
" فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)" القمر