يقول الحق تبارك و تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(27) }
أى : حتى تطلبوا الأُنس و الألفة و الرضا ، أو حتى تستشعروا الأُنس و تعلموه . [ القاموس القويم 1 / 37 ]
كلمة بيت : نفهم منها أنه ما أعد للبيتوتة ، حيث يأوى إليه الإنسان آخر النهار و يرتاح فيه من عناء اليوم ، و يُسمى أيضاً الدار ؛ لأنها تدور على مكان خاص بك ؛ لذلك كانوا فى الماضى لا يسكنون إلا فى بيوت خاصة مستقلة لا شركة فيها مثل العمارات الآن ، يقولون بيت من بابه . حيث لا يدخل و لا يخرج عليك أحد ، و كان السكن بهذه الطريقة عِصْمةَ من الريبة ؛ لأنه بيتك الخاص بأهلك وحدهم لا يشاركهم فيه أحد .
لكن هناك أمور تقتضى أن يدخل الناس على الناس ؛ لذلك تكلم الحق – تبارك و تعالى – هنا عن آداب الاستئذان و عن المبادئ و النظم التى تنظم هذه المسألة ؛ لن ولوج البيوت بغير هذه الآداب ، و دون الفلاحين حتى الآن : إذا رأوا شخصاً غريباً يدخل حارة
* لا علاقة له بها لابد أن يسأل : لماذا دخل هنا ؟*
( كل محلة دنت منازلهم فهم أهل حارة . [ قاله ابن منظور فى لسان العرب – مادة حير ]:إذن : فشرع الله لا يحرم المجتمع من التلاقى ، إنما يضع لهذا التلاقى حدوداً و آداباً تنفى الريب و الشبهة التى يمكن أن تأتى فى مثل هذه المسائل .
لذلك يقول الحق سبحانه و تعالى فى آداب الاستئذان :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ...(27) } [النور]
{ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا...(27) }
[النور] من الأُنس و الاطمئنان ، فحين تجلس و أهلك فى بيتك ، و أقبل عليك غريب لا تعرفه ، إذا لم يُقدم لك ما تأنس به من الحديث أو الاستئذان لابد أن تحدث منه وحشة و نفور إذن : على المستأذن أن يحدث من الصوت ما يأنس به صاحب الدار ، كما نقول : يا أهل الله ، أو نطرق الباب ، أو نتحدث مع الولد الصغير ليخبر مَنْ بالبيت .ذلك لأن للبيوت حرمتها ، و كل بيت له خصوصياته التى لا يحب صاحب البيت أن يطلع عليها أحد ، إما كرامة لصاحب البيت ، و إما كرامة للزائر نفسه ، فالاستئذان يجعل الجميع يتحاشى ما يؤذيه
لذلك قال تعالى بعدها :
{ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ ...(27) } [النور] أى : خير للجميع ، للزائر و للمزور ، فالاستئذان يمنع أن يتجسس أحد على أحد ، يمنع أن ينظر أحد إلى شئ يؤذيه ، و هَبْ أن أبا الزوجة أراد زيارتها و دخل عليها فجأة فوجدها فى شجار مع زوجها ، فلربما اطلع على أمور لا ترضيه ، فيتفاقم الخلاف .ثم تختم الآية بقوله تعالى :
{ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(27) } [النور] يعنى : احذروا أن تغفلوا هذه الآداب ، أو تتهاونوا فيها ، كمن يقولون : نحن أهل أو أقارب لا تكليف بيننا ؛ لأن الله تعالى الذى شرع لكم هذه الآداب أعلم بما فى نفوسكم ، و أعلم بما يُصلِحكم .بل و يتعدى هذا الأدب الإسلامى من الغريب إلى صاحب البيت نفسه ، ففى الحديث الشريف " نهى أن يطرق المسافر أهله بليل"
**إنما عليه أن يخبرهم بقدومه حتى لا يفاجئهم و حتى يستعد كل منهما لملاقاة الآخر**
( عن جابر بن عبد الله قال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلاً " . أخرجه البخارى فى صحيحه (5244 ) و مسلم فى صحيحه ( 3 / 1528 ) كتاب الإمارة . ).