وساعة
نرى (لا جرم) فمعناها أن ما يأتي بعدها هو حق ثابت، فـ"لا" نافية، و"جرم"
مأخوذة من "الجريمة"، وهي كسر شيء مؤمن به لسلامة المجموع. وحين نقول "لا
جرم" أي: أن ما بعدها حق ثابت. وما بعد (لا جرم) هنا هو: أن الله يعلم ما
يسرون وما يعلنون. وكل آيات القرآن التي ورد فيها قوله الحق (لا جرم) تؤدي
هذا المعنى، مثل قوله الحق:
..... لَا جَرَمَ أَنَّ
لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62)
(سورة النحل)
وكذلك قوله الحق:
لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ
فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109)
(سورة النحل)
وقد قال بعض العلماء: إن قوله الحق (لا جرم) يحمل معنى "لابد"، وهذا يعني
أن قوله الحق:
لَا جَرَمَ أَنَّ
اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ....(23)
(سورة النحل)
لابد أن يعلم الله ما يسرون وما يعلنون، ولا مناص من أن الذين كفروا هم
الخاسرون. وقد حلل العلماء اللفظ ليصلوا إلي أدق أسراره. وعلم الله لا
ينطبق على الجهر فقط، بل على السر أيضاً؛ ذلك أنه سيحاسبهم على كل الأعمال.
وينهي الحق سبحانه الآية بقوله:
.....إِنَّهُ لَا
يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)
(سورة النحل)
وإذا سألنا: وما علاقة علم الله بالعقوبة؟ ونقول: ألم يقولوا في أنفسهم:
.... لَوْلَا
يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ....(8)
(سورة المجادلة)
وإذا ما نزل قول الحق سبحانه ليخبرهم بما قالوه في أنفسهم؛ فهذا دليل على
أن من يبلغهم صادق في البلاغ عن الله، ورغم ذلك فقد استكبروا؛ وتابوا
وعاندوا، وأخذتهم العزة بالإثم، وأرادوا بالاستكبار الهرب من الالتزام
بالمنهج الذي جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا
أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) |