وقوله
الحق:
...مَاذَا أَنْزَلَ
رَبُّكُمْ .... (24)
(سورة النحل)
يوضح الاستدراك الذي أجراه الله على لسان المتكلم؛ ليعرفوا أن لهم رباً.
ولو لم يكونوا مؤمنين برب، لأعلنوا ذلك، ولكنهم من غفلتهم اعترضوا على
الإنزال، ولم يعترضوا على أن لهم رباً. وهذا دليل على إيمانهم برب خالق؛
ولكنهم يعترضون على محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل إليه من الله. و:
....قَالُوا
أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)
(سورة النحل)
والأساطير: هي الأكاذيب، ولو كانوا صادقين مع أنفسهم لما أقروا بالألوهية،
ورفضوا أيضاً القول المنزل إليهم. ومنهم من قال:
وَقَالُوا أَسَاطِيرُ
الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا
(5)
(سورة الفرقان)
ولكن هناك جانب آخر كان له موقف مختلف سيأتي تبيانه من بعد ذلك، وهم الجانب
المضاد لهؤلاء؛ حيث يقول الحق سبحانه:
وَقِيلَ لِلَّذِينَ
اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ
أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ
وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)
(سورة النحل)
ووراء ذلك قصة توضح جوانب الخلاف بين فريق مؤمن وفريق كافر. فحين دعا رسول
الله صلى الله عليه وسلم قومه وعشيرته إلي الإيمان بالله الواحد الذي أنزل
عليه منهجاً في كتاب معجز، بدأت أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم تنتشر
بين قبائل الجزيرة العربية كلها، وأرسلت كل قبيلة وفداً منها لتتعرف
وتستطلع مسألة هذا الرسول. ولكن كفار قريش أرادوا أن يصدوا عن سبيل الله؛
فقسموا أنفسهم على مداخل مكة الأربعة، فإذا سألهم سائل من وفود القبائل "ماذا
قال ربكم الذي أرسل لكم رسولاً؟".
هنا يرد عليهم قسم الكفار الذي يستقبلهم: "إنه رسول كاذب، يحرف ويجدف".
والهدف طبعاً أن يصد الكفار وفود القبائل. ويخبر الحق سبحانه رسوله صلى
الله عليه وسلم بما حدث، وإذا قيل للواقفين على أبواب مكة من الوفود التي
جاءت تستطلع أخبار للرسول: ماذا أنزل ربكم؟ يردون "إنه يردد أساطير الأولين".
وهذا الجواب الواحد من الواقفين على أبواب مكة الأربعة يدل على أنها إجابة
متفق عليها، وسبق الإعداد لها، وقد أرادوا بذلك أن يصرفوا وفود القبائل عن
الاستماع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فشبهوا الذكر المنزل من الله بمثل
ما كان يرويه لهم ـ على سبيل المثال ـ النضر ابن الحارث من قصص القدماء
التي تتشابه مع قصص عنترة، وأبي زيد الهلالي التي تروي في قرانا. وهذه هي
الموقعة الأولى في الأخذ والرد.
ويعقب الحق سبحانه على قولهم هذا: |