الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) |
يقول
تعالى: |
أي: تجعلون
هذا في شق، وهذا في شق، وكأن الآية تقول: لقد رفعوا الراية البيضاء وقالوا: لا جلد
لنا على الحرب. ثم يقول الحق تبارك وتعالى:
...مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ
سُوءٍ ....(28)
(سورة النحل)
هذا كقوله تعالى في آية أخرى:
ثُمَّ لَمْ تَكُنْ
فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)}
(سورة الأنعام)
والواقع أنهم بعد أن ألقوا السلم ورفعوا الراية البيضاء واستسلموا، أخذهم موقف
العذاب فقالوا محاولين الدفاع عن أنفسهم:
....مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ
سُوءٍ .....(28)
(سورة النحل)
وتعجب من كذب هؤلاء على الله في مثل هذا الموقف، على من تكذبون الآن؟! فيرد عليهم
الحق سبحانه:
....بَلَى ...(28)
(سورة النحل)
وهي أداة نفي للنفي السابق عليها، ومعلوم أن نفي النفي إثبات، فـ(بلى) تنفي:
....مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ
سُوءٍ ....(28)
(سورة النحل)
إذن: معناها .. لا .. بل عملتم السوء. ثم يقول الحق سبحانه:
....إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ
بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)
(سورة النحل)
ومن رحمة الله تعالى أنه لم يكتف بالعلم فقط، بل دون ذلك عليهم وسجله في كتاب سيعرض
عليهم يوم القيامة، كما قال تعالى:
....وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ
(47)
(سورة الأنبياء)
وقال:
وَكُلَّ إِنْسَانٍ
أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ
عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)
(سورة الإسراء)
ويحلو للبعض أن ينكر إمكانية تسجيل الأعمال وكتابتها .. ونقول لهؤلاء: تعالوا إلى
ما توصل إليه العقل البشري الآن من تسجيل الصور والأصوات والبصمات وغيرها .. وهذا
كله يسهل علينا هذه المسألة عندما نرقي إمكانات العقل البشري إلى الإمكانات الإلهية
التي لا حدود لها.
فلا وجه ـ إذن ـ لأن ننكر قدرة الملائكة "رقيب وعتيد" في تسجيل الأعمال في كتاب
يحفظ أعماله ويحصى عليه كل كبيرة وصغيرة. ثم يقول تعالى: