لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)

قوله تعالى:

....مَثَلُ السَّوْءِ ...(60)
(سورة النحل)


صفة السوء أي: الصفات السيئة الخسيسة من الكفر والجحود والنكران، ومن عمي البصيرة، وغيرها من صفات السوء.
لماذا كان للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء؟ لأن المعادلة التي أجروها معادلة خاطئة؛ لأن الذي لا يؤمن بالآخرة قصر عمره .. فعمر الدنيا بالنسبة له قصير، وقد قلنا: إياك أن تقيس الدنيا بعمرها .. ولكن قس الدنيا بعمرك أنت، فعمر الدنيا مدة بقائك أنت فيها .. إنما هي باقية من بعدك لغيرك، وليس لك أنت فيها نصيب بعد انقضاء عمرك.
إذن: عمر الدنيا عمرك أنت فيها .. عمرك: شهر، سنة، عشر سنوات، مائة .. هذا هو عمر الدنيا الحقيقي بالنسبة لك أنت.
ومع ذلك، فعمر الدنيا مهما طال منته إلى زوال، فمن لا يؤمن بالله ولا يؤمن بالآخرة قد اختار الخاسرة؛ لأنه لا يضمن أن يعيش في الدنيا حتى متوسط الأعمار .. وهب أنك عشت في الدنيا إلى متوسط الأعمار، بل إلى أرذل العمر .. وهب أنك استمتعت في دنياك بكل أنواع المعاصي، ماذا ستكون النهاية؟ أن تفوت هذا كله إلى الموت.
قارون ـ إذن ـ حال هذا بمن آمن بالله وآمن بالآخرة .. نقول لمن لا يؤمن بالآخرة: دنياك مظنونة، يمكن أن تعيش فيها، أو يعاجلك الموت .. حتى من عاش إلى متوسط الأعمار، فالنهاية إلى زوال.
وما نلت من متع في دنياك أخذتها على قدر إمكاناتك أنت. إذن: أنت أخذت صفقة محدودة غير متيقنة، وتركت صفقة غير محدودة ومتيقنة .. أليست هذه الصفقة خاصرة؟
أما من آمن بالآخرة فقد ربحت صفقته، حيث اختار حياة ممتدة يجد المتعة فيها على قدر إمكانات المنعم سبحانه وتعالى:

.... مَثَلُ السَّوْءِ ....(60)
(سورة النحل)


أي: الصفة شديدة السوء، ذلك لأنهم خاسرون لا محالة. وقوله تعالى:

.... وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ....(60)
(سورة النحل)


لله الصفة العليا، وكأن الآية تقول لك: اترك صفة السوء، وخذ الصفة الأعلى التي تجد المتعة فيها على قدر إمكانات الحق سبحانه وتعالى.
وينهي الحق سبحانه الآية بقوله:

ل..

 وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)
(سورة النحل)


العزيز أي: الذي لا يغلب على أمره، فإذا قيل: قد يوجد من لا يغلب على أمره .. نعم؛ لكنه سبحانه عزيز حكيم يستعمل القهر والغلبة بحكمة.
ثم يقول الحق تبارك وتعالى:

وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61