ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) |
علة
كون العسل فيه شفاء للناس أن يأكل النحل من كل الثمرات ذلك لأن تنوع
الثمرات يجعل العسل غنياً بالعناصر النافعة، فإذا ما تناوله الإنسان ينصرف
كل عنصر منه إلى شيء في الجسم، فيكون فيه الشفاء بإذن الله. |
فالذي
اخترع السيارة وهذه الآلات التي تنفث سمومها وتلوث البيئة التي خلقها الله .. صحيح
وفر لنا الوقت والمجهود في الحمل والتنقل، ولكن انظر إلى ما أصاب الناس من عطب بسبب
هذه الآلات .. انظر إلى عوادم السيارات وآثارها على صحة الإنسان.
كان يجب على مخترع هذه الآلات أن يوازن بين ما تؤديه من منفعة وما تسببه من ضرر،
وأضاف إلى الأضرار الصحية ما يحدث من تصادمات وحوادث مروعة تزهق بسببها الأرواح ..
وبالله هل رأيت أن تصادم جملان في يوم من الأيام .. فلابد إذن أن نقيس المنافع
والأضرار قبل أن نقدم على الشيء حتى لا نفسد الطبيعة التي خلقها الله لنا.
وقوله تعالى:
.... فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ....(69)
(سورة النحل)
الناس: جمع مختلف الداءات باختلاف الأفراد وتعاطيهم لأسباب الداءات، فكيف يكون هذا
الشراب شفاء لجميع الداءات على اختلاف أنواعها؟ .. نقول: لأن هذا الشراب الذي أعده
الله لنا بقدرته سبحانه جاء مختلفاً ألوانه .. من رحيق متعدد الأنواع والأشكال
والطعوم والعناصر .. ليس مزيجاً واحداً يشربه كل الناس، بل جاء مختلفاً متنوعاً
باختلاف الناس، وتنوع الداءات عندهم .. وكأن كل عنصر منه يداوي داءً من هذه الداءات.
وقوله تعالى:
..... إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)
(سورة النحل)
التفكر: أن تفكر فيما أنت بصدده لتستنبط منه شيئاً لست بصدده، وبذلك تثري
المعلومات؛ لأن المعلومات إذا لم تتلاقح، إذا لم يحدث فيها توالد تقف وتتجمد، ويصاب
الإنسان بالجمود الطموحي، وإذا أصيب الإنسان بهذا الجمود توقف الارتقاء؛ لأن
الارتقاءات التي نراها في الكون هي نتيجة التفكير وإعمال العقل.
لذلك فالحق سبحانه ينبهنا حينما نمر على ظاهرة من ظواهر الكون، ألا نمر عليها
غافلين معرضين، بل نفكر فيها ونأخذها بعين الاعتبار .. يقول تعالى:
وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)
(سورة يوسف)
ففي الآية حث على التفكر في ظواهر الكون، وفيها تحذير من الإعراض والغفلة عن آيات
الله، فبالفكر نستنبط من الكون ما نستفيد به.
ولو أخذنا مثلاً الذي اخترع الآلة البخارية .. كيف توصل إلى هذا الاختراع الذي أفاد
البشرية؟ نجد أنه توصل إليه حينما رأى القدر الذي يغلي على النار يرتفع غطاؤه مع
بخار الماء المتصاعد أثناء الغليان .. فسأل نفسه: لماذا يرتفع الغطاء؟ واستعمل عقله
وأعمل تفكيره حتى توصل إلى قوة البخار المتصاعد، واستطاع توظيف هذه القوة في تسيير
ودفع العربات. وكذلك أرشميدس ـ وغيره كثيرون ـ توصلوا بالاعتبار والتفكر في ظواهر
الكون، إلى قوانين في الطبيعة أدت إلى اختراعات نافعة نتمتع نحن بها الآن، فالذي
اخترع العجلة، كم كانت مشقة الإنسان في حمل الأثقال؟ وما أقصى ما يمكن أن يحمله؟
فبعد أن اخترعوا العجلات واستخدمت في الحمل تمكن الإنسان من حمل وتحريك أضعاف أضعاف
ما كان يحمله.
الذي اخترع خزانات المياه .. كم كانت المشقة في استخراج الماء من البئر؟ أو من
النهر؟ فبعد عمل الخزانات وضخ المياه أصبحنا نجد الماء في المنازل بمجرد فتح
الصنبور.
هذه كلها ثمرات العقل حينما يتدبر، وحينما يفكر في ظواهر الكون، ويستخدم المادة
الخام التي خلقها الله وحثنا على التفكر فيها والاستنباط منها .. وكأن الحق سبحانه
يقول لنا: لقد أعطيتكم ضروريات الحياة، فإن أردتم ترف الحياة وكمالياتها فاستخدموا
نعمة العقل والتفكير والتدبر لتصلوا إلى هذه الكماليات.
وهنا الحق سبحانه يلفتنا لفتة أخرى .. وهي أنه سبحانه يجعل من المحسات ما يقرب لنا
المعنويات إلى منهجه سبحانه؛ ولذلك ينقلنا هذه النقلة من المحسوس إلى المعنوي،
فيقول تعالى
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)