وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77 |
أراد
الحق سبحانه أن يعلمنا منه عالم الملك، ومنه عالم الملكوت .. عالم الملك هو
العالم منه عالم الملك، ومنه عالم الملكوت .. عالم الملك هو العالم المحس
لنا، وعالم الملكوت المخفي عنا فلا نراه.
فاجعل نفسك الآن المخاطب بهذا الحديث،
فماذا تختار؟ |
أي: له
وحده لا شريك له. ومعنى السماوات والأرض، أي: وما بينهما وما وراءهما، ولكن المشهور
من مخلوقات الله: السماء، والأرض. ثم يقول تعالى:
وَلِلَّهِ غَيْبُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ
هُوَ أَقْرَبُ..... (77
(سورة النحل)
جاءت الآية بهذا الغيب الوحيد؛ لأنه الغيب الذي استأثر الله به .. ولا يجليها
لوقتها إلا هو .. فناسب الحديث عن الغيب أن يأتي بهذا الغيب المطلق الذي لا يعلمه
إلا الله. وما هو لمح البصر؟
عندنا أفعال متعددة تدل كلها على الرؤية العامة، وإن كان لكل منها معنى خاص بها
نقول: رأى ونظر ورمق ولحظ ولمح .. فرأى مثلاً أي بجمع عينه، ورزق بأعلى، ولحظ بجانب،
فكلها مرتبطة بحركة الحدقة، هذه الحركة ما نسميه باللمح.
إذن: لمح البصر هو تحرك حدقة العين إلى ناحية الشيء المرئي .. فإن أردت أن ترى ما
فوقك تحركت بالحدقة إلى أعلى، وإن أردت أن ترى ما هو أسفل تحركت الحدقة إلى أسفل
وهكذا. هذه الحركة هي لمح البصر، انتقال الحدقة من وضع إلى وضع.
إذن: شبه الحق تبارك وتعالى أمر الساعة عنده سبحانه بلمح البصر، ولكن اللمح حدث،
والأحداث تحتاج إلى أزمان، وقد تطول الأزمان في ذاتها ولكنها تقصر عند الرائي.
وقد قرب إلينا العلم الحديث هذه القضية بما توصل إليه من إعادة المشاهد المصورة على
البطيء ليعطيك فرصة متابعتها بدقة، فنراهم مثلاً يعيدون لك مشهداً كروياً لترى كل
تفاصيله، فتجد المشهد الذي مر كلمح البصر يعرض أمامك بطيئاً في زمن أطول، في حين أن
الزمن في السرعة يتجمع تجمعاً لا تدركه أنت بأي معيار، لا بالدقيقة ولا بالثانية.
إذن: فهي جزئيات حركة في جزئيات زمان، فلمح البصر الذي هو تحرك حدقة العين تحتاج
لوقت ولزمن متداخل، وليس هكذا أمر الساعة، بل هذا أقرب ما يعرفه الإنسان، وأقرب
تشبيه لفهم أمر الساعة بالنسبة له سبحانه.
إذا قيل لك: ما أمر فلان؟ وما شأنه؟. تأخذ في سرد الأحداث .. حدث كيت وكيت .. فإذا
قلنا: ما أمر الساعة؟ ما شأنها ساعة تقوم، حيث يموت الأحياء أولاً، ثم يحيا الجميع
من لدن آدم عليه السلام ثم حشر وحساب وثواب وعقاب.
أحداث كثيرة وعظيمة لخلق متعددين من الإنس والجن .. يحدث هذا كله كلمح البصر
بالنسبة لنا، ولكن إياك أن تتصور أن هذا يحتاج إلى وقت بالنسبة لله سبحانه.
فالأشياء بالنسبة له سبحانه لا تعالج، وإنما هي كن فيكون، حتى كن فيكون من حرفين:
الكاف لفظ وله زمن، والنون لفظ وله زمن، إنما أمر الساعة أقرب من الكاف والنون،
ولكن ليس هناك أقل من هذا في فهمنا.
والحق سبحانه وتعالى حينما تكلم عن أهل القبور، قال:
كَأَنَّهُمْ يَوْمَ
يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)
(سورة النازعات)
في حين أننا نرى أنهم غابوا كثيراً في قبورهم .. إذن: كيف يقاس الزمن؟ .. يقاس
بتتبعك للأحداث، فحينما لا يوجد حدث لا يوجد زمن .. وهذا ما نراه في حال النائم
الذي لا يستطيع تحديد الزمن الذي نامه إلا على غالب ما يكون في البشر.
ولذلك، في قصة أهل الكهف الذين ناموا ثلاث مائة عام وتسعة أعوام قالوا:
.... لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ
بَعْضَ يَوْمٍ .....(113)
(سورة المؤمنون)
فهذا هو الغالب في عرف الناس؛ ذلك لأنهم استيقظوا فلم يجدوا شيئاً حولهم يدل على
زمن طويل .. الحال كما هو لم يتغير فيهم شيء .. فلو استيقظوا فوجدوا أنفسهم شيوخاً
بعد أن كانوا فتية لعلموا بمرور الزمن .. إذن: الزمن بالنسبة لعدم الحدوث زمن ملغي.
أو نقول: إن أمر الساعة في أن الحق سبحانه يجعلها جامعة للناس إلا كلمح البصر، فكل
ما يحدث فيها لا تقيسه بزمن، لأن الذي يقاس بالزمن إنما هي الأحداث الناشئة من فاعل
له قدرة وقوة تتوزع على الزمن.
فلو أردت نقل هذا الشيء من هنا إلى هنا فسوف يحتاج منك وقتاً ومجهوداً، أما لو كلفت
طفلاً بنقل هذا الشيء فسوف يأخذ وقتاً أكثر ويحتاج مجهوداً أكثر .. إذن: فالزمن
يتناسب مع قدرة الفاعل تناسباً عكسياً.
<ولذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم حينما حدث الناس بالإسراء والمعراج قالوا: أتدعي
أنك أتيتها في ليلة، ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهراً .. هذا لأن انتقالهم يحتاج
لعلاج ومزاولة، تأخذ وقتاً يتناسب وقدراتهم في الانتقال بالإبل من مكة إلى بيت
المقدس .. ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يقل: أسريت، بل قال: أسرى بي، الذي أسرى به
هو الله سبحانه، فالزمن يقاس بالنسبة للحق سبحانه وتعالى>
حديث
الإسراء اخرجه مسلم فى صحيحه -كتب الإيمان من حديث انس بن مالك وقد اخرجه البيهقى
فى دلائل النبوة من حديث ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "انى اسرى
بى الليله قالوا :الى اين ؟قال الى بيت المقدس :قالوا ثم اصبحت بين ظهرانينا؟قال
:فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :نعم قال فمن بين مصفق وواحد واضع يده على رأسه
مستعجب للكذب .زعم .قال :وفى القوم من قد سافر الى ذلك البلد وراى المسجد فقال :هل
تستطيع ان تنعت لنا المسجد ؟الحديث بطوله
وكذلك إذا قيس زمن أمر الساعة بالنسبة لقدرته سبحانه فإنه يكون كلمح البصر، أو هو
أقرب من ذلك .. إنما هو تشبيه لنقرب لكم الفهم. وقوله:
.....إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ (77
(سورة النحل)
أي: يكون أمر الساعة كذلك؛ لأن الله قادر على كل شيء، ومادامت الأحداث تختلف
باختلاف القدرات، فقدرة الله هي القدرة العليا التي لا تحتاج لزمن لفعل الأحداث. ثم
يقول الحق سبحانه
وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)