أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) |
فالحق
سبحانه ينقلنا هنا إلى صورة أخرى من صور الكون .. بعد أن حدثنا عن الإنسان
وما حوله .. فالإنسان قبل أن يخلقه الله في هذا الوجود أعد له مقومات حياته،
فالشمس والقمر والنجوم والأرض والسماء والمياه والهواء، كل هذه أشياء وجدت
قبل الإنسان، لتهيئ له الوجود في هذا الكون. |
أي: في
الهواء المحيط بالأرض، والمتأمل في الكون يجد أن الهواء هو العامل الأساسي في ثبات
الأشياء في الكون، فالجبال والعمارات وغيرها .. ما الذي يمسكها أن تقع؟
إياك أن تظن أنه الأسمنت والحديد وهندسة البناء .. لا .. بل يمسكها الهواء الذي
يحيط بها من كل جانب، بدليل أنك لو فرغت جانباً منها من الهواء لانهارت فوراً نحو
هذا الجانب؛ لأن للهواء ضغطاً، فإذا ما فرغت جانباً منها قل فيه الضغط فانهارت.
فالهواء ـ إذن ـ هو الضابط لهذه المسألة، وبالهواء يتوازن الطير في السماء، ويسير
كما يهوى، ويتحرك كما يحب.
ثم يقول تعالى:
..... إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)
(سورة النحل)
أي: أن الطير الذي يطير في السماء فيه آيات أي عجائب، عجائب صنعة وعجائب خلق، يجب
أن تتفكروا فيها وتعتبروا بها.
ولكي نقف على هذه الآية في الطير نرى ما حدث لأول إنسان حاول الطيران .. إنه العربي
عباس بن فرناس، أول من حاول الطيران في الأندلس، فعمل لنفسه جناحين، وألقى بنفسه من
مكان مرتفع .. فماذا حدث لأول طائر بشري؟
طار مسافة قصيرة، ثم هبط على مؤخرته فكسرت؛ لأنه نسى أن المسألة ليست مجرد الطيران،
فهناك الهبوط الذي نسى الاستعداد له، وفاته أن يعمل له (زمكي)، وهو الذيل الذي يحفظ
التوازن عند الهبوط.
وكذلك الذين يصنعون الطائرات كم تتكلف؟ وكم فيها من أجهزة ومعدات قياس وانضباط؟
وبعد ذلك تحتاج لقائد يقودها أو موجه يوجهها، وحينما أرادوا صناعة الطائرة جعلوها
على شكل الطير في السماء له جناحان ومقدمة وذيل، ومع ذلك ماذا يحدث لو تعطل محركها
.. أو اختل توازنها؟!
إذن: الطير في السماء آية تستحق النظر والتدبر؛ لنعلم منها قدرة الخالق سبحانه.
ويقول تعالى:
.... لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
(79)
(سورة النحل)
يؤمنون بوجود واجب الوجود، يؤمنون بحكمته ودقة صنعه، وأنها لا مثيل لها من صنعة
البشر مهما بلغت من الدقة والإحكام.
ثم يقول الحق سبحانه
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80)