وقد
حكى القرآن عنهم في آيات أخرى:
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ
مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87)
(سورة الزخرف)
وقال عنهم:
وَجَحَدُوا بِهَا
وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ .... (14)
(سورة النمل)
ذلك لأنهم يعلمون تماماً أن الله خلقهم، وأنه خلق السماوات والأرض ..
يعلمون كل نعم الله عليهم، ومع ذلك ينكرونها ويجحدونها .. لماذا؟
لأن الإيمان بالله والاعتراف بنعمه مسألة شاقة عليهم، ولو كانت مجرد كلمة
تقال لقالوها .. ما أسهل أن يقولوا "لا إله إلا الله" لكنهم يعلمون أن: لا
إله إلا الله لها مطلوبات، فمادام لا إله إلا الله، فلا يشرع إلا الله، ولا
يأمر إلا الله، ولا ينهي إلا الله، ولا يحل إلا الله، ولا يحرم إلا الله.
إذن: مطلوبات لا إله إلا الله جعلتهم في قالب من حديد، منضبطين بمنهج يهدم
سيادتهم، ويمنع الطغيان والجبروت، منهج يسوي بين السادة والعبيد.
إذن: الدين الحق يقيد حركتهم، وهم لا يريدون ذلك، فتراهم يعرفون الله ولا
يؤمنون به؛ لأنهم يعلمون مطلوبات لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإلا لو
كانت مجرد كلمة لقالوها.
وقوله:
....وَأَكْثَرُهُمُ
الْكَافِرُونَ (83)
(سورة النحل)
بعض العلماء يقولون: أكثرهم يعني كلهم .. لا .. بل هذا أسلوب قرآني لصيانة
الاحتمال وللاحتياط للقلة التي تفكر في الإسلام ويراودها أمر هذا الدين
الجديد من هؤلاء الكفار، لابد أن نراعي أمر هذه القلة، ونترك لهم الباب
مفتوحاً، فالاحتمال هنا قائم ..
فلو قال القرآني: كلهم كافرون لتعارض ذلك مع هؤلاء الذين يفكرون في أن
يسلموا .. وكذلك مراعاة لهؤلاء الذين لم يبلغوا حد التكليف من أبناء
الكفار. إذن: قوله (وأكثرهم) تعبير دقيق، فيه ما نسميه صيانة الاحتمال.
ثم يقول تعالى:
وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ
أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ
يُسْتَعْتَبُونَ (84) |