الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) |
لقد
تعرضنا من قبل لفواتح السور(سورة
يوسف سورة مكية نزلت بمكه المكرمة قال السيوطى فى "الإتقان فى علوم
القرآن"(1/40):"استثنى منها ثلاث آيات من أولها حكاه أبو حبان وهو واه جدا لا
يلتفت اليه"عدد آياتها 111 آية وهى سورة جامعه لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين
والملائكة والشياطين والجن والإنس والأنعام والطير وسير الملوك والممالك
والتجار والعلماء والجهال والرجال والنساء وحيلهن ومكرهن وفيها ذكر التوحيد
والفقه والسير وتعبير الرؤيا والسياسه والمعاشره وتدبير المعاش وجمل الفوائد
التى تصلح للدين والدنيا ذكره القرطبى فى تفسيره (4/3441) (1) قال الإمام السيوطى "اعلم ان الله افتتح سور القرآن بعشرة انواع من الكلام الأول الثناء عليه تعالى والثناء قسمان الأول التحميد فى خمس سور وتبارك سورتين والثانى :التسبيح فى سبع سور الثانى :حروف التهجى فى تسع وعشرين سورة الثالث :النداء فى عشر سور:خمس بنداء الرسول صلى الله عليه وسلم وخمس بنداء الأمة الرابع :الجمل الخبرية نحو :(يسألونك عن الأنفال...(1) الأنفال وذلك فى ثلاث وعشرين سورة الخامس :القسم فى خمس عشر سورة. السادس:الشرط فى سبع سور مثل (اذا وقعت الواقعه(1) الواقعه السابع الأمر فى ست سور نحو (قل هو الله احد) الإخلاص الثامن الإستفهام فى ست سور نحو (عم يتساءلون(1)النبأ التاسع :الدعاء فى ثلاث سور :الهمزة والمطففين و المسد العاشر :التعليل فى سورة قريش .انتهى باختصار(الإتقان فى علوم القرآن 3/316)
؛ من أول سورة البقرة، وسورة آل عمران، وقلنا: إن
فواتح بعض من سور القرآن تبدأ بحروف مقطعة؛ ننطقها ونحن نقرؤها بأسماء الحروف،
لا بمسميات الحروف. فإن لكل حرف اسماً ومسمى، واسم الحرف يعرفه الخاصة الذين
يعرفون القراءة والكتابة، أما العامة الذين لا يعرفون القراءة أو الكتابة؛ فهم
يتكلمون بمسميات الحروف، ولا يعرفون أسماءها. محكمات(احكم الأمر :اتقنه .قال تعالى "ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ...."52 الحج اى يبينها ويجعلها متقنه مقنعه محكمة وايات محكمة متقنه مقنعه واضحه وقيل محكمة غير منسوخه او محكمة غير متاشبهه فلا تحتاج الى تاويل وقال تعالى "فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ.."20 (محمد) اى متقنه (القاموس القويم 1/166) ام الكتاب :أصله .يرد اليها كل ماعداه مما يحتمل اوجها كثيرة قال فى التهذيب ام الكتاب كل اية محكمة من ايات الشرائع والأحكام والفرائض (نقله ابن منظور فى اللسان - مادة :امم) وام الكتاب :فاتحته لأنه يبتدأ بها فى الصلاة (اللسان) زاغ يزيغ زيغا وزيغانا :مال عن القصد وازاغه :اماله وصرفه عن القصد "...فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ....(5)الصف اى فلما انحرفوا عن الحق واختاروا طريق الباطل صرف الله قلوبهم وتركهم وما اختاروه فلم يجبرهم على الإيمان (القاموس القويم 1/293 294
معنى بغى الشىء اى طلبه وابتغاه :طلبه قال تعالى "...يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ...(47) التوبة اى يطلبونها لكم وقال تعالى "...يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا....(29) الفتح اى يطلبونها فضلا وقوله "لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ.....(48) التوبة اى طلبوها وسعوا فى بثها ونشرها القاموس القويم 1/76
المأرب والأرَب والأرْب
:الحاجه والغرض :يقول تعالى عن عصا موسى عليه السلام قال عنها "....وَلِيَ
فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى
(18)
طه .اى حاجات واغراض كثيرة اخرى كاتقاء ضرر او غير ذلك (القاموس القويم
1/17 )بتصرف |
والحق ـ
سبحانه وتعالى ـ يصنع للإنسان ابتلاءات في وسائل إدراكه؛ وجعل لكل وسيلة إدراك
حدوداً، وشاء أن يأتي بالمتشابه ليختبر الإنسان، ويرى: ماذا يفعل المؤمن؟ وقوله
الحق ـ سبحانه:
وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ
من الآية(7)
(سورة آل عمران)
تاويل الكلام :تفسيره وتبيين المراد منه .قال ابن منظور فى لسان العرب - مادة أول
التاويل
والمعنى والتفسير واحد .قال ابوعبيد فى قوله تعالى
وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ
.....(7)
(سورة آل عمران)
التاويل المرجع والمصير ماخوذ من آل يؤول الى كذا اى صار اليه
قال الجوهرى :التاويل تفسير ما يؤول اليه الشيىء
(2) رسخ يرسخ رسوخا : ثبت فهو راسخ اى ثابت الراسخون فى العلم :المتمكنون فيه >القاموس القديم 1/ 264
(3) تمام هذا الحديث "ان القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا فما عرفتم منه فاعملوا به وماتشابه منه فآمنوا به"عزاه ابن كثير فى تفسيره (1/246)لابن مردوبه من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص
قد يفهم منه أنه عطف؛ بمعنى أن الراسخين في العلم يعلمون تأويله؛ وبالتالي سيعلمون
الناس ما ينتهون إليه من علم بالتأويل ولكن تأويل الراسخين في العلم هو قولهم:
كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا
(سورة آل عمران)
إذن: فنهاية تأويلهم: هو من عند ربنا، وقد آمنا به.
<وجاء لنا قوله صلى الله عليه وسلم ليحل لنا إشكال المتشابه: "ما تشابه منه فآمنوا
به">
لأن المتشابه من ابتلاءات الإيمان. والمثل الذي أضربه هنا هو أمره صلى الله عليه
وسلم لنا أن نستلم الحجر الأسود(قال
الليث :استلام الحجر تناوله باليد وبالقبله ومسحه بالكف وقال الجوهرى :استلم الحجر
لمسه اما بالقبله او باليد>نقله ابن منظور فى لسان العرب - مادة :سلم<
وأن نقبله(2) عن ابن
عمر رضى الله عنهما قال :استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر فاستلمه ثم وضع
شفتيه عليه يبكى طويلا فالتفت فاذا هو بعمر يبكى فقال يا عمر ههنا تسكب العبرات
أخرجه ابن ماجه فى سننه (2945) والحاكم فى مستدركه (1/454)كلاهما من طريق محمد بن
عون الخراسانى قال البوصيرى فى الزوائد :ضعفه ابن معين وابو حاتم وغيرهما ,قلت قد
صححه الحاكم واقره الذهبى على تصحيحه، وأن نرجم الحجر
وهو ما يعرف برمى الجمرات
فى منى فى ايام الحج وهى ثلاث جمرات الصغرى وهى القريبه من مسجد الخيف ثم الجمرة
الوسطى وبينهما 155 مترا ثم الجمرة الكبرى كل جمرة ترمى ب 21 حصاة على ثلاثة ايام
11 و12و13 من ذى الحجة انظر كتابى فتاوى واحكام حول مناسك الحج والعمره
الذي يمثل إبليس،
وكلاهما حجر، لكننا نمتثل بالإيمان لما أمرنا به صلى الله عليه وسلم
لذلك
كان عمر رضى الله عنه يقول "والله انى لاعلم انك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا انى
رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك "اخرجه البخارى فى صحيحه
(1610)من حديث ابن عمر رضى الله عنهما
.
وأنت لو أقبلت على كل أمر بحكم عقلك، وأردت أن تعرف الحكمة وراء كل أمر، لعبدت عقلك،
والحق ـ سبحانه ـ يريد أن تقبل على الأمور بحكمه هو ـ سبحانه. وأنت إن قلت لواحد:
إن الخمر تهري الكبد. ووضعت على كبده جهاز الموجات فوق الصوتية الذي يكشف صورة
الكبد، ثم ناولت الرجل كأس خمر؛ فرأى ما يفعله كأس الخمر في الكبد، وراعه ذلك؛ فقال:
والله لن أشربها أبداً.
راعه ذلك :افزعه وارتاع منه وله وروعه فتروع اى تفزع والروع والرواع :الفزع (لسان العرب - مادة روع)
هل هو يفعل ذلك لأنه مؤمن؟ أم أنه ربط سلوكه بالتجربة؟ لقد ربط سلوكه بالتجربة، وهو
يختلف عن المؤمن الذي نفذ تعاليم السماء فامتنع عن الخمر لأن الله أمر بذلك، فلا
يمكن أن نؤجل تعاليم السماء إلى أن تظهر لنا الحكمة منها. إذن: فعلة المتشابه؛
الإيمان به. وقد يكون للمتشابه حكمة؛ لكنا لن نؤجل الإيمان حتى نعرف الحكمة. وأقول
دائماً: يجب أن يعامل الإنسان إيمانه بربه معاملته لطبيبه، فالمريض يذهب إلى طبيبه
ليعرض عليه شكواه من مرض يؤلمه؛ ليصف الطبيب له الدواء، كذلك عمل عقلك؛ عليه أن
ينتهي عند عتبة إيمانك بالله.
ونجد من أقوال أهل المعرفة بالله من يقول: إن العقل كالمطية(
المطيه : الدابه تمتطى اى :يُركب ظهرها والجمع مطايا والمطا :الظهر لامتداده واصل
المطو العد وتمطى الرجل :تمدد وكل شىء مددته فقد مطوته وتمطى النهار امتد وطال
(لسان العرب - مادة مطا - بتصرف
، يوصلك إلى باب السلطان،
لكنه لا يدخل معك. إذن: فالذي يناقش في علل الأشياء هو من يرغب في الحديث مع مساوٍ
له في الحكمة، وهل يوجد مساوٍ لله؟ طبعا لا، لذلك خذ افتتاحيات السور التي جاءت
بالحروف المقطعة كما جاءت، واختلافنا على معانيها يؤكد على أنها كنز لا ينفذ من
العطاء إلى أن تحل إن ـ شاء الله ـ من الله.
قال ابن كثير فى تفسيره
(1/37)"مجموع الحروف المذكورة فى اوائل السور بحذف المكرر منها اربعة عشر حرفا وهى
ا ل م ص ر ك هـ ى ع ط
س ح ق ن - يجمعها قول "نص حكيم قاطع له سر"
ومن العجيب أن آيات القرآن كلها مبنية على الوصل، ففي آخر سورة هود نجد قول الحق ـ
سبحانه:
وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
من الآية (23)
(سورة هود)
وكان من المفترض أن نقف عليها فننطق كلمة "تعملون" ساكنة النون، لكنها موصولة
بـ"بسم الله الرحمن الرحيم"؛ لذلك جاءت النون مفتوحة. وأيضاً مادامت الآيات مبنية
على الوصل، كان من المفروض أن ننطق بدء سورة يوسف "ألفٌ لامٌ راءٌ" لكن الرسول صلى
الله عليه وسلم علمنا أن نقرأها "ألفْ لامْ راءْ" وننطقها ساكنة.
وهذا دليل على أنها كلمة مبنية على الوقف، ودليل على أن لله ـ سبحانه ـ حكمة في هذا
وفي ذاك. ونحن نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يراجع القرآن مرة كل رمضان مع
جبريل ـ عليه السلام ـ وراجعه مرتين في رمضان الذي سبق وفاته صلى الله عليه وسلم.
عن فاطمه بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت "اسرَ الىَّ النبى صلى الله عليه وسلم ان جبريل كان يعارضنى بالقرآن كل سنه مرة وانه عارضنى العام مرتين ولا اراه الا حضر أجلى "أخرجه البخارى فى صحيحه (3634)واحمد فى مسنده (6/282)
وهكذا وصلنا القرآن كما أنزله الحق ـ سبحانه ـ على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
وهنا يقول الحق:
الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ
(1)
(سورة يوسف)
و"تلك" إشارة لما بعد (الر)، وهي آيات الكتاب. أي: خذوا منها أن آيات القرآن مكونة
من مثل هذه الحروف وهذا فهم البعض لمعنى :
الر......(1)
(سورة يوسف)
لكنه ليس كل الفهم. مثل: صانع الثياب الذي يضع في واجهة المحل بعضاً من الخيوط التي
تم نسج القماش منها؛ ليدلنا على دقة الصنعة. فكأن الله ـ سبحانه ـ يبين لنا أن:
الر......(1)
(سورة يوسف)
أسماء لحروف هي من أسماء الحروف التي نتكلم بها، والقرآن تكونت ألفاظه من مثل تلك
الحروف، ولكن آيات القرآن معجزة، لا يستطيع البشر ـ ولو عاونهم الجن ـ أن يأتوا
بمثله. إذن: فالسمو ليس من ناحية الخامة التي تكون الكلام، ولكن المعجزة أن المتكلم
هو الحق ـ سبحانه ـ فلابد أن يكون كلامه معجزاً؛ وإن كان مكوناً من نفس الحروف التي
نستخدمها نحن البشر.
وهناك معنى آخر: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينطق أسماء الحروف "ألف لام راء"،
وهو صلى الله عليه وسلم الأمي
قال ابو اسحاق معنى الأمى :المنسوب الى ما عليه جبلته أمه مكتسبة فكأنه نسب الى ما يولد عليه اى على ما ولدته امه عليه نقله ابن منظور فى (لسان العرب - مادة أمم)وقال "بعثه الله رسولا وهو لايكتب ولا يقرأ من كتاب وكانت هذه الخله احدى اياته المعجزة لأنه تلا عليهم كتاب الله منظوما تاره بعد أخرى بالنظم الذى انزل عليه فلم يغيره ولم يبدل الفاظه إذن الأمى هو ما كان على الفطرة الربانية وتلقيه للإمدادات هو من العطاءات النورانية اما الكتابه فهى اكتساب وعلم الامى من الخصوصيات الإصطفائية
بشهادة المعاصرين له بما فيهم خصومه، رغم أن القادر على نطق أسماء الحروف لابد أن يكون متعلماً، ذلك أن الأمي ينطق مسميات الحروف ولا يعرف أسماءها
الفرق بين الإسم والمسمى بالنسبة للحروف ان حروفا مثل (ك) (ت) (ب) ينطقها الأمى فى كلامه (كتب) كمسميات الحروف ولكنه لا يستطيع ان يقول لك ان هذه الحرف اسمه (ك) او هذا اسمه (تاء) او هذا اسمه(باء) فهو لا يستطيع ان يتهجى الكلمه ولكنه يستطيع ان يتطقها للدلاله على فعل الكتابه وقد اخذها من افواه الناس هكذا.من مفهوم الخواطر
، وفي هذا النطق شهادة بأن من علمه ذلك هو ربه الأعلى. ويقول الحق ـ
سبحانه:
الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ
(1)
(سورة يوسف)
وردت لفظة الكتاب فى
القرآن (230)مرة ويقصد بها معانى كثيره "القرآن التوراه
الإنجيل اللوح المحفوظ ومن معانى الكتاب ايضا
الرساله مثل رسالة سليمان عليه السلام التى ارسلها مع الهدهد الى ملكة اليمن
فقال
اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ
تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ
(28)
النمل
ومن المعانى ايضا صحيفة الإنسان التى تعرض عليه يوم القيامة (إقرأ كتابك كفى
بنفسك اليوم عليك حسيبا)الإسراء
كلمة "الكتاب" عندما تطلق فمعناها ينصرف إلى القرآن الكريم. ونجد كلمة "المبين"، أي:
الذي يبين كل شيء تحتاجه حركة الإنسان الخليفة في الأرض، فإن بان لك شيء وظننت أن
القرآن لم يتعرض له، فلابد أن تبحث عن مادة أو آية تلفتك إلى ما يبين لك ما غاب عنك.
ويروي عن الإمام محمد عبده (هو
محمد عبده بن حسن خير الله :من آل التركمانى مفتى الديار المصرية ولد فى شنرا (من
قرى الغربية بمصر)عام 1849م ونشأ فى محلة نصر (بالبحيرة).تعلم بالجامع
الأحمدى بطنطا ثم بالأزهر أجاد الفرنسية بعد الأربعين .أصدر فى باريس جريدة "العروة
الوثقى "مع جمال الدين الأفغانى .توفى عام 1905بالأسكندرية ودفن فى القاهرة
(الأعلام للزركلى 6/252)أنه قابل أحد المستشرقين(المستشرقون
:جمع مستشرق وهم علماء الغرب المهتمون بعلوم الشرق وادابه ودياناته وفلسفاته .فهم
يتخصصون فى هذا دراسه وبحثا وتنقيبا ومنهم المنصفون للإسلام ومنهم المعادون له
الذين يسخرون دراساتهم للطعن فى الإسلام) في باريس؛ ووجه المستشرق سؤالا
إلى الإمام فقال: مادامت هناك آية في القرآن تقول:
....مَا
فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ....(38)
(سورة الأنعام)
قال القرطبى فى تفسيره
(2/2505)اى فى اللوح المحفوظ فانه اثبت فيه ما يقع من الحوادث وقيل اى فى القرآن اى
:ما تركنا شيئا من امر الدين الا وقد دللت عليه فى القرآن :إما دلاله مبينة
مشروحه واما مجمله يتلقى بيانها من الرسول صلى الله عليه وسلم او من الإجماع او من
القياس الذى ثبت بنص الكتاب
فدعني أسألك: كم رغيفاً ينتجه أردب القمح؟
فقال الإمام للمستشرق: انتظر. واستدعى الإمام خبازاً، وسأله: كم رغيفا يمكن أن
نصنعه من أردب القمح؟ فأجاب الخباز على السؤال. هنا قال المستشرق: لقد طلبت منك
إجابة من القرآن، لا من الخباز. فرد الإمام: إذا كان القرآن قد قال:
....مَا
فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ....(38)
(سورة الأنعام)
فالقرآن قال أيضاً:
....فَاسْأَلُوا
أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
(43)
(سورة النحل)
لقد فطن الإمام محمد عبده(الإمام
محمد عبده من الآئمه الأعلام وهو كمجدد لعصره له اثاره الفكرية وله مدرسته
الإصلاحية عاصر جمال الدين الأفغانى وكان للإمام محمد عبده اتجاهاته فى تربية
الأفراد والشعوب بحيث تبدأ التربية بالفرد اولا ثم بالجماعه ثانيا وهذا التدرج
التربوى انفرد به الإمام عن جمال الدين الأفغانى وان كان بينهما عموم وخصوص.
)إلى أن العقل البشري أضيق من أن يسع كل المعلومات التي
تتطلبها الحياة؛ لذلك شاء الحق ـ سبحانه ـ أن يوزع المواهب بين البشر؛ ليصبح كل
متفوق في مجال ما، هو من أهل الذكر في مجاله. ونحن ـ على سبيل المثال ـ عندما نتعرض
لمسألة ميراث؛ فنحن نلجأ إلى من تخصص في المواريث، ليدلنا على دقة توزيع أنصبة هذا
الميراث.
وحين يؤدي المسلم من العامة فريضة الحج، فيكفيه أن يعلم أن الحج فريضة؛ ويبحث عند
بدء الحج عمن يعلمه خطوات الحج كما أداها صلى الله عليه وسلم. وهذا سؤال لأهل الذكر،
مثلما نستدعي مهندساً ليصمم لنا بيتا حين نشرع في بناء بيت، بعد أن نمتلك الإمكانات
اللازمة لذلك. وهكذا نرى أن علوم الحياة وحركتها أوسع من أن يتسع لها رأس؛ ولذلك
وزع الله أسباب فضله على عباده، ليتكاملوا تكامل الاحتياج، لا تكامل التفاضل، ويصير
كل منهم ملتحماً بالآخرين غصباً عنه.
وبعد ذلك يقول الحق ـ سبحانه
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)