وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) |
وهكذا نرى
المصافي التي يمر بها البشر ليصلوا إلى الإيمان. |
هم إذن قد
آمنوا وهم في الفلك، وأخذوا يدعون الله حين واجهتم أزمة في البحر؛ لكنهم ما أن
وصلوا إلى الشاطئ حتى ظهر بينهم الشرك.
حين يسألهم السائل: ماذا حدث؟
فيجيبون: أنهم كانوا قد أخذوا حذرهم، واستعدوا بقوارب النجاة. ونسوا أن الله هو
الذي أنقذهم فانطبق عليهم قول الحق سبحانه:
وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا
فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ
(30)
(سورة إبراهيم)
وفي حياتنا اليومية قد تذهب لتقضي حاجة لإنسان؛ وبعد أن يسهل لك الله قضاء تلك
الحاجة؛ تلتفت فلا تجده، ولا يفكر في أن يوجه لك كلمة الشكر. وحين تلقاه يقول لك:
كل ما طلبته منك وجدته مقضياً، لقد كلمت فلاناً فقضاها.
وهو يقول لك ذلك ليبعد عنك ما أسبغه الله عليك من فضل قضائك لحاجته؛ وذلك لأنه لحظة
أن طلب منك مساعدته في قضاء تلك الحاجة تذلل وخضع، وبعد أن تنقضي يتصرف كفرعون
ويتناسى.
ولا ينزعه من فرعنته إلا رؤياك؛ لأنه يعلم أنك صاحب جميل عليه، بل قد يريد بك الشر؛
رغم أنك أنت من أحسنت إليه، لماذا؟
لأن هذه هي طبيعة الإنسان.
يقول تعالى:
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى
(6) أَنْ رَآَهُ
اسْتَغْنَى
(7)
(سورة العلق)
ولذلك يقول في المثل: "اتق شر من أحسنت إليه". وأنت تتقي شره، بأن تحذر أن تمن عليه
بالإحسان؛ كي لا تنمي فيه غريزة الكره لك.
والناصح يحتسب أي مساعدة منه لغيره عند الله؛ فيأخذ جزاءه من خالقه لحظة أداء فعل
الخير، ولا ينتظر شيئاً ممن فعل الخير له؛ لأنك لا تعلم ماذا فكر لحظة أن أديت له
الخدمة، فحين يجد ترحيب الناس بك في الجهة التي تؤدي له الخدمة فيها؛ قد يتساءل:
لماذا يحترمونك أكثر منه؟
وهو يسأل هذا السؤال لنفسه على الرغم من أنك متواجد معه في هذا المكان لتخدمه.
ولذلك يقول العامة هذا المثل: "اعمل الخير وارمه في البحر"؛ لأن الله هو الذي
يجازيك وليس البشر؛ فاجعل كل عملك موجهاً لله، وانس أنك فعلت معروفاً لأحد.
والمعروف المنكور هو أجدى أنواع المعروف عليك؛ لأن الذي يجازي عليه هو الله؛ وهو
سبحانه من سيناولك أجره وثوابه بيده؛ ولذلك عليك أن تنسى من أحسنت إليه؛ كي يعوضك
الله بالخير على ما فعلت.
ويقال في الأثر: إن موسى عليه السلام قال: يا رب، إني أسألك ألا يقال في ما ليس في.
فأوضح له الله: يا موسى لم أصنعها لنفسي؛ فكيف أصنعها لك. ويعرض الحق سبحانه هذه
المسألة في القرآن بشكل آخر فيقول سبحانه:
وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا
خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ
لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا
إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ
(8)
(سورة الزمر)
والإنسان لحظة أن يمسه الضر؛ فهو يدعو الربوبية المتكفلة بمصالحه: يا رب أنت الذي
خلقتني، وأنت المتكفل بتربيتي؛ وأنا أتوكل عليك في مصالحي، فأنقذني مما أنا فيه.
ومثل هذا الإنسان كمثل الربان الذي ينقذه الله بأعجوبة من العاصفة؛ لكنه بعد النجاة
يحاول أن ينسب نجاة السفينة من الغرق لنفسه.
ولذلك أقول دائماً: احذروا أيها المؤمنون أن تنسوا المنعم المسبب في كل شيء، وإياكم
أن تفتنوا بالأسباب؛ فتغفلوا عن المسبب؛ وهو سبحانه معطي الأسباب. وأقول ذلك حتى لا
تقعوا في ظلم أنفسكم بالشرك بالله؛ فسبحانه القائل:
الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ
الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ
(82)
(سورة الأنعام)
والظلم ـ كما نعلم ـ هو أن تعطي الحق لغيره صاحبه؛ فكيف يجرؤ أحد على أن يتجاهل فضل
الله عليه؟ فيقع في الشرك الخفي، والظلم الأكبر هو الشرك. وسبحانه القائل:
..............إِنَّ
الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
(13)
(سورة لقمان)
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: