قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)

أي: قل يا محمد هذا هو منهجي. والسبيل كما نعلم هو الطريق، وقوله الحق:

... هَذِهِ سَبِيلِي .........(108)
(سورة يوسف)


يدل على أن كلمة السبيل تأتي مرة مؤنثة، كما في هذه الآية، وتأتي مرة مذكرة؛ كما في قوله الحق:

....... وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ....... (146)
(سورة الأعراف)


وأعلن يا محمد أن هذه الدعوة التي جئت بها هي للإيمان بالله الواحد؛ وسبحانه لا ينتفع بالمنهج الذي نزل عليك ليطبقه العباد، بل فيه صلاح حياتهم، وسبحانه هو الله؛ فهو الأول قبل كل شيء بلا بداية، والباقي بعد كل موجود بلا نهاية؛ ومع خلق الخلق الذين آمنوا هو الله؛ وإن كفروا جميعاً هو الله، والمسألة التكليفية بالمنهج عائدة إليكم أنتم، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر. ولنقرأ قول الحق:
إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2)
(سورة الانشقاق)


فهي تنشق فور سماعها لأمر الله، وتأتي لحظة الحساب. وقوله الحق:

قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ .............. (108)
(سورة يوسف)


أي: أدعو بالطريق الموصل إلى الله إيماناً به وتقبلاً لمنهجه، وطلباً لما عنده من جزاء الآخرة؛ وأنا على بصيرة مما أدعو إليه.
والبصر ـ كما نعلم ـ للمحسات، والبصيرة للمعنويات.
والبصر الحسي لا يؤدي نفس عمل البصيرة؛ لأن البصيرة هي يقين مصحوب بنور يقنع النفس البشرية، وإن لم تكن الأمور الظاهرة ملجئة إلى الإقناع.
ومثال هذا: أم موسى حين أوحى الله لها أن تقذف ابنها في اليم، ولو قاست هي هذا الأمر بعقلها لما قبلته، لكنها بالبصيرة قبلته؛ لأنه وارد من الله لا معاند له من النفس البشرية.
فالبصيرة إذن: هي يقين ونور مبني على برهان من القلب؛ فيطيعه العبد طاعة بتفويض، ويقال: إن الإيمان طاعة بصيرة. ويمكن أن نقرأ قوله الحق:

قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ .............. (108)
(سورة يوسف)


وهنا جملة كاملة؛ ونقرأ بعدها:

.......أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ ......(108)
(سورة يوسف)


أو نقرأها كاملة:

قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)
(سورة يوسف)


وقول الحق: ......
وَسُبْحَانَ اللَّهِ ...........(108)
(سورة يوسف)


أي: أنه سبحانه منزه تنزيهاً مطلقاً في الذات، فلا ذات تشبهه؛ فذاته ليست محصورة في القالب المادي مثلك، والمنفوخة فيه الروح، وسبحانه منزه تنزيهاً مطلقاً في الأفعال، فلا فعل يشبه فعله؛ وكذلك صفاته ليست كصفات البشر، فحين تعلم أن الله يسمع ويرى، فخذ ذلك في نطاق:

.....لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ .......(11)
(سورة الشورى)


وكذلك وجوده سبحانه ليس كوجودك؛ لأن وجوده وجود واجد أزلي، وأنت حدث طارئ على الكون الذي خلقه سبحانه. ولذلك قاس بعض الناس رحلة الإسراء والمعراج على قدرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛

<ولم ينتبهوا إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لقد أسرى بي">
متفق عليه :اخرجه البخارى فى صحيحه ومسلم فى صحيحه من حديث جابر بن عبدالله رضى الله عنه

ونزل قول الحق سبحانه:

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)
(سورة الإسراء)


وهكذا تعلم أن الفعل لم يكن بقوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولكن بقوة من خلق الكون كله، القادر على كل شيء، والذي لا يمكن لمؤمن حق أن يشرك به، أمام هذا البرهان. ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك