ونلحظ أن
هذا الأمر الذي تحدث عنه يوسف عليه السلام خارج عن تأويل الرؤيا؛ لأن ما احتوته
رؤيا الملك هو سبع بقرات عجاف يأكلن سبع بقرات سمان؛ وسبع سنبلات خضر وأخر
يابسات.
وأنهى يوسف عليه السلام تأويل الرؤيا، وبعد ذلك جاء بحكم العقل على الأمور؛ حيث
يعود الخصب العادي ليعطيهم مثلما كان يعطيهم من قبل ذلك. وهذا يمكن أن يطلق
عليه "غوث"؛ لأننا نقول "أغث فلاناً" أي: أعن فلاناً: لأنه في حاجة للعون،
والغيث ينزل من السماء لينهي الجدب.
وقوله:
..
يُغَاثُ النَّاسُ
...(49)
(سورة يوسف)
أي: يعانون بما يأتيهم من فضل الله بالضروري من قوت يمسك عليهم الحياة. ويذيل
الحق سبحانه الآية بقوله:
...
وَفِيهِ يَعْصِرُونَ
(49)
(سورة يوسف)
أي: ما يمكن عصره من حبوب أو ثمار؛ مثل: السمسم، والزيتون، والعنب، والقصب، أو
البلح، وأنت لن تعصر تلك الحبوب أو الثمار إلا إذا كان عندك ما يفيض عن قوت
ذاتك وقوت من تعول.
وهكذا أوضح لنا الحق سبحانه أنهم سوف يرزقون بخير يفيض عن الإغاثة؛ ولهم أن
يدخروه، وما سبق في آيات الرؤيا وتأويلها هو حوار بين يوسف الصديق ـ عليه
السلام ـ وبين ساقي الملك.
ولاحظنا كيف انتقل القرآن من لقطة عجز الحاشية عن الإفتاء في أمر الرؤيا،
وتقديم الساقي طلباً لأن يرسلوه كي يحضر لهم تأويل الرؤيا، ثم جاء مباشرة
بالحوار بين يوسف والساقي. وهنا ينتقل القرآن إلى ما حدث، بعد أن علم الملك
بتأويل الرؤيا، فيقول سبحانه
وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ
إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ
أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ
(50) |