وحينما
أرادوا أن يطرحوه أرضا ترددوا؛ واستبدلوا ذلك بإلقائه في الجب لعل أن يلتقطه
بعض السيارة. فقالوا:
وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ
السَّيَّارَةِ.....(10)
(سورة يوسف)
وهذا يدل على أنهم تنزلوا عن الانتقام الشديد بسبب الغيرة؛ بل إنهم فكروا في
نجاته. وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول الحق سبحانه:
.....لَا
تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا
........(5)
(سورة يوسف)
والكيد: احتيال مستور لمن لا تقوى على مجابهته، ولا يكيد إلا الضعيف؛ لأن القوي
يقدر على المواجهة. ولذلك يقال: إن كيد النساء عظيم؛ لأن ضعفهن أعظم. ويذيل
الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله:
......
إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ
(5)
(سورة يوسف)
وهذه العداوة معروفة لنا تماماً؛ لأنه خرج من الجنة معلوناً مطروداً؛ عكس آدم
الذي قبل الله توبته؛ وقد أقسم الشيطان بعزة الله ليغوين الكل، واستثنى عباد
الله المخلصين.
<ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: "لقد أعانني الله على شيطاني فأسلم">
ويصف الحق سبحانه عداوة الشيطان للإنسان أنها عداوة مبنية. أي: محيطة. وحين
نقرأ القرآن نجد إحاطة الشيطان للإنسان فيها يقظة:
...
لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ
أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ
....
(17)
(سورة الأعراف)
ولم يأت ذكر للمجيء من الفوقية أو من التحتية؛ لأن من يحيا في عبودية تحتية؛
عبادية فوقية؛ لا يأتيه الشيطان أبداً. ونلحظ أن الحق سبحانه جاء بقول يعقوب
عليه السلام مخاطبا يوسف عليه السلام في هذه الآية:
......
فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا......(5)
(سورة يوسف)
ولم يقل: فيكيدوك، وهذا من نضج نبوة يعقوب عليه السلام على لسانه؛ لأن هناك
فارقاً بين العبارتين، فقول: "يكيدوك" يعني أن الشر المستور الذي يدبرونه ضدك
سوف يصيبك بأذى. أما
.....
فَيَكِيدُوا لَكَ
.....(5)
(سورة يوسف)
فتعني أن كيدهم الذي أرادوا به إلحاق الشر بك سيكون لحسابك ويأتي بالخير لك.
ولذلك نجد قوله الحق في موقع آخر بنفس السورة:
....كَذَلِكَ
كِدْنَا لِيُوسُفَ.....(76)
(سورة يوسف)
أي: كدنا لصالحه. ويقول الحق سبحانه بعد ذلك
وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ
وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى
أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ
حَكِيمٌ
(6) |