ونعلم أن
المراودة الأولى ليوسف كانت من امرأة العزيز؛ واستعصم يوسف، ثم دعت هي النسوة
إلى مجلسها؛ وقطعن أيديهن حين فوجئن بجمال يوسف عليه السلام، وصدرت منهن إشارات،
ودعوات إثارة وانفعال. قال عنها يوسف ما أورد الحق سبحانه:
....وَإِلَّا
تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ
(33)
(سورة يوسف)
واستدعاهن الملك، وسألهن:
...
مَا خَطْبُكُنَّ...(51)
(سورة يوسف)
والخطب: هو الحدث الجلل، فهو حدث غير عادي يتكلم به الناس؛ فهو ليس حديثاً
بينهم وبين أنفسهم؛ بل يتكلمون عنه بحديث يصل إلى درجة تهتز لها المدينة؛ لأن
مثل هذا الحادث قد وقع. ولذلك نجد إبراهيم عليه السلام، وقد قال لجماعة من
الملائكة:
قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ
(31) قَالُوا
إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ
(32)
(سورة الذاريات)
أي: أن الملائكة طمأنت إبراهيم عليه السلام؛ فهي في مهمة لعقاب قوم مجرمين.
وموسى عليه السلام حين عاد إلى قومه، ووجد السامري قد صنع لهم عجلاً من الذهب
الذي أخذوه من قوم فرعون نجده يقول السامري:
قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ
(95)
(سورة طه)
وقول الملك هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها:
....مَا
خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ
....
(51)
(سورة يوسف)
يدل على أنه قد سمع الحكاية بتفاصيلها فاهتز لها؛ واعتبرها خطباً؛ مما يوضح لنا
أن القيم هي القيم في كل زمان أو مكان. وبدأ النسوة الكلام، فقلن:
...حَاشَ
لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ
.....
(51)
(سورة يوسف)
ولم يذكرن مسألة مراودتهن له، وكان الأمر المهم هو إبراء ساحة يوسف عند الملك.
وقولهن:
...
حَاشَ لِلَّهِ
...
(51)
(سورة يوسف)
أي: ننزه يوسف عن هذا، وتنزيهنا ليوسف أمر من الله. وهنا تدخلت امرأة العزيز:
...
قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ
....
(51)
(سورة يوسف)
أي: أنها أقرت بأنه لم يعد هناك مجال للستر، ووضح الحق بعد خفاء، وظهرت حصة
الحق من حصة الباطل، ولابد من الاعتراف بما حدث:
.....
أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ
(51)
(سورة يوسف)
وواصلت امرأة العزيز الاعتراف في الآية التالية:
ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا
يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) |