ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)

قالت ذلك حتى تعلن براءة يوسف عليه السلام، وأنها لم تنتهز فرصة غيابه في السجن وتنتقم منه؛ لأنه لم يستجب لمراودتها له، ولم تنسج له أثناء غيابه المؤامرات، والدسائس، والمكائد. وهذا يدلنا على أن شرة الإنسان قد تتوهج لغرض خاص، وحين يهدأ الغرض ويذهب، يعود الإنسان إلى توازنه الكمالي في نفسه، وقد يجعل من الزلة الأولى في خاطره وسيلة إلى الإحسان فيما ليس له فيه ضعف، كي تستر الحسنة السيئة، مصداقاً لقول الحق سبحانه:

....إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)
(سورة هود)


ولو أن إنساناً عمل سيئة وفضحه آخر عليها؛ فالفاضح لتلك السيئة إنما يحرم المجتمع من حسنات صاحب السيئة. ولذلك أقول: استروا سيئات المسيء؛ لأنها قد تلهمه أن يقدم من الخير ما يمحو به سيئاته. ولذلك قالوا: إذا استقرأت تاريخ الناس، أصحاب الأنفس القوية في الأخلاق والقيم؛ قد تجد لهم من الضعف هنات وسقطات؛ ويحاولون أن يعملوا الحسنات كي تذهب عنهم السيئات؛ لأن بال الواحد منهم مشغول بضعفه الذي يلهبه؛ فيندفع لفعل الخيرات. وبعد أن اعترفت امرأة العزيز بما فعلت؛ قالت:

... وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)
(سورة يوسف)


أي: أنها أقرت بأنه سبحانه وتعالى لا ينفذ كيد الخائنين، ولا يوصله إلى غايته. وتواصل امرأة العزيز فتقول:

وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)