ويوضح ـ
هنا ـ سبحانه أنه لا يجزي المحسنين في الدنيا فقط؛ ولكن يجازيهم بخير أبقى في
الآخرة. وكلمة "خير" تستعمل استعمالين:
الأول: هو أن شيئاً خير من شيء آخر؛ أي: أنهما شركاء في الخير، وهو المعنى
المقصود هنا،
<والمثال: هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله
من المؤمن الضعيف، وفي كل خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن
أصاب شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن
لو تفتح عمل الشيطان">
أخرجه احمد بن حنبل فى مسنده ومسلم فى صحيحه وابن ماجه فى سننه من حديث ابى
هريره رضى الله عنه
والاستعمال الثاني لكلمة "خير": هو خير مقابله شر، والمثال: هو قول الحق تبارك
وتعالى:
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ
(7) وَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ
(8)
(سورة الزلزلة)
والحق سبحانه يريد أن يعتدل ميزان حركة الحياة، لن يعتدل ميزان حركة الحياة بأن
نقول للإنسان على إطلاقه: سوف تأخذ أجر عملك الطيب في الآخرة؛ لأن المؤمن وحده
هو الذي سيصدق ذلك.
أما الكافر فقد يظلم ويسفك الدماء، ويسرق ويستشري الفساد في الأرض. ولذلك شاء
الحق سبحانه أن يجعل الجزاء نوعين: جزاء في الدنيا لمن يحسن، سواء أكان مؤمناً
أو كافراً؛ وجزاءً في الآخر يختص به الحق سبحانه المؤمنين به. والحق سبحانه
يقول هنا:
وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ
(57)
(سورة يوسف)
أي: أنه أكثر خيراً من جزاء الدنيا؛ لأن جزاء الآخرة يدوم أبداً، على عكس خير
الدنيا الذي قد تفوته أو يفوتك، بحكم أن الدنيا موقوتة بالنسبة لك بعمرك فيها؛
ولكن الآخرة لها الديمومة التي شاءها الله سبحانه. ويقول الحق سبحانه بعد ذلك
عن إخوة يوسف:
وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ
مُنْكِرُونَ
(58) |