وأعرض
يعقوب عليه السلام عنهم؛ فما جاءوا به هو خبر أحزنه، وخلا بنفسه؛ لأنه ببشريته
تحسر على يوسف، فقد كانت قاعدة المصائب هي افتقاده يوسف. وساعة تسمع نداء لشيء
محزن، مثل: "وا حزناه" أو "وا أسفاه" أو "وا مصيبتاه"؛ فهذا يعني أن النفس تضيق
بالأحداث وتقول "يا هم، هذا أوانك، فاحضر". أو أنه قال:.......
يَا
أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ.........(84)
(سورة يوسف)
لأن أخاه بنيامين كان أشبه الناس به؛ فكان حزنه على يوسف طاقة من الهم نزلت به،
وتبعتها طاقة هم أخرى، وهي افتقاد بنيامين. وقول الحق سبحانه:
....وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ ...........(84)
(سورة يوسف)
أي: أن دموع يعقوب كثرت حتى بدا الجزء الأسود في العين وكأنه أبيض. أو: ابيضت
عيناه من فرط حزنه، الذي لا يبثه لأحد ويكظمه. وهو قد يكظم غيظه من كل ما حدث،
أما الانفعالات فلا أحد بقادر على أن يتحكم فيها.
ونجد رسولنا صلى الله عليه وسلم يبكي؛ وتذرف عيناه حزناً على موت ابنه إبراهيم،
فقال له عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ: أتبكي؟ أو لم تكن نهيت عن البكاء؟
قال: "لا، ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عن مصيبة، خمش وجوه، وشق جيوب،
ورنة شيطان "أخرجه
الترمذى فى سننه عن جابر بن عبدالله ،قال الترمذى "هذا حديث حسن".هكذا ورد
الحديث فى الترمذى ،ولكن فى فتح زيادة :"صوت عند نغمه ، لهو ولعب ، ومزامير
الشيطان"
.
<وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول
إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون"> متفق عليه:اخرجه
البخارى فى صحيحه وكذا مسلم فى صحيحه من حديث انس بن مالك رضى الله عنه.
وهكذا نعلم أن الحق سبحانه لا يريد من الإنسان أن يكون جلموداً أو يكون صخراً
لا ينفعل للأحداث، بل يريده منفعلاً للأحداث؛ لأن هذا لون يجب أن يكون في
إنسانيته، وهذه عاطفة يريد الله أن يبقيها، وعلى المؤمن أن يعليها.
فسبحانه هو الذي خلق العاطفة، والغريزة في الإنسان، ولو أراد الله الإنسان بلا
عاطفة أو غريزة لفعل ما شاء، لكنه أراد العاطفة والغريزة في الإنسان لمهمة.
ولحظة أن تخرج العاطفة أو الغريزة عن مهمتها، يقول لك المنهج: لا. لأن مهمة
المنهج أن يهذب لك الانفعال.
والمثل الذي أضربه هنا هو حب الإنسان للاستمتاع بالطعام، يقول له المنهج: كل ما
يفيدك ولا تكن شرهاً.
والمثل الآخر: غريزة حب الاستطلاع، يقول لك المنهج: اعرف ما يفيدك؛ ولا تستخدم
هذه الغريزة في التجسس على الناس.
وغريزة الجنس أرادها الله لإبقاء النوع، ولتأتي بالأولاد والذرية، لكن لا
تستعملها كانطلاقات وحشية. وهكذا يحرص المنهج الغرائز والعواطف لتبقى في إطار
مهمتها.
والعاطفة ـ على سبيل المثال ـ هي التي تجعل الأب يحنوا على ابنه الصغير ويرعاه،
وعلى ذلك فالمؤمن عليه أن يعلي غرائزه وعواطفه. وقول الحق سبحانه عن يعقوب:
...........فَهُوَ كَظِيمٌ
(84)
(سورة يوسف)
أي: أنه أخذ النزوع على قدره. وكلمة "كظيم" مأخوذة من "كظمت القربة" أي: أحكمنا
غلق فوهة القربة، بما يمنع تسرب الماء منها. ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: |