ونعلم أن
الجد إسحق لم يكن موجوداً، وكانوا يغلبون جهة الأبوة على جهة الأمومة، ودخلت
معهم الخالة؛ لأن الأم كانت غير موجودة. ويبدو أن يوسف قد استقبلهم عند دخولهم
إلى مصر استقبال العظماء، فاستقبلهم خارج البلد مرة ليريحهم من عناء السفر
ويستقبلهم وجهاء البلد وأعيانهم؛ وهذا هو الدخول الأول الذي آوى فيه أبويه. ثم
دخل بهم الدخول الثاني إلى البلد بدليل أنه قال:
...............ادْخُلُوا
مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ
(99)
(سورة يوسف)
ففي الآية دخولان. وقول الحق سبحانه:
...........آَوَى
إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ
..........
(99)
(سورة يوسف)
يدل على حرارة اللقاء لمغتربين يجمعهم حنان، فالأب كان يشتاق لرؤية ابنه، ولابد
أنه قد سمع من أخوته عن مكانته ومنزلته، والابن كان متشوقا للقاء أبيه.
وانفعالات اللقاء عادة تترك لعواطف البشر، ولا تقنين لها، فهي انفعالات خاصة
تكون مزيجاً من الود، ومن المحبة، ومن الاحترام، ومن غير ذلك. فهناك من تلقاه
وتكتفي بأن تسلم عليه مصافحة، وآخر تلتقي به ويغلبك شوقك فتحتضنه، وتقول ما شئت
من ألفاظ الترحيب. كل تلك الانفعالات بلا تقنين عبادي، بدليل أن يوسف عليه
السلام آوى إليه أبويه، وأخذهما في حضنه.
<والمثل من حياة رسولنا صلى الله عليه وسلم في سياق غزوة بدر حيث كان يستعرض
المقاتلين، وكان في يده صلى الله عليه وسلم قدح يعدل به الصفوف، فمر بسواد بن
غزية من بني عدي بن النجار، وهو مستنصل عن الصف ـ أي خارج عنه، مما جعل الصف
على غير استواء ـ فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بطنه بالقدح وقال له: "استو
يا سواد". فقال سواد: أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني.
فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال صلى الله عليه وسلم: "استقد".
فاعتنقه سواد وقبل بطنه.
فقال صلى الله عليه وسلم: "ما حملك على هذا يا سواد؟". قال: يا رسول الله، قد
حضر ما ترى ـ يقصد الحرب ـ فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك. فدعا
له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخير>
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: |